اكد المحلل السياسي العربي (طلعت رميح) ان هناك ثلاث عواصم للوعي الاسلامي ساهمت في اعادة تفكير المجتمعات العربية والاسلامية وخاصة الشباب بطريقة تختلف عما كان سائدا من قبل هي (حماة والفلوجة وغزة).
واوضح (رميح) في الجزء الاول من الحوار الذي اجراه (عبد المنعم البزاز) مراسل الهيئة نت في القاهرة، ان (حماة) التي حوصرت في عهد حافظ الأسد، أرسلت إشارات لم يفهمها المثقف والمواطن العربي إلا بعد الحرب الدائرة اليوم في سوريا، من بينها إن هذا النظام طائفي وإن الصمود في مواجهته هو الحل .. مشيرا الى ان صمود هذه المدينة امام العدوانية البشعة التي مارسها (حافظ الأسد) على أساس طائفي، طرحت نمطا آخر من الوعي.
وقال ان العاصمة الثانية التي أحدثت وعيا في الشارع العربي والإسلامي هي مدينة (الفلوجة) التي تعد حالة غير مسبوقة في التاريخ، حيث قاتلت هذه المدينة الصغيرة ـ التي لا يزيد عدد سكانها عن (330) ألف نسمة ـ جيش الاحتلال الأمريكي وانتصرت عليه، بالرغم من امتلاكه احدث التكنولوجيا والتطور العسكري .. مشددا على ان الفلوجة طرحت القدرة على الصمود، والبعد العقدي، وقوة إيمان الانسان المسلم وضعف القوة الأمريكية المتغطرسة، كما اثبتت للانسان العربي الذي كان مستكينا انه بالإمكان مقاومة القوات الغاشمة.
واشار (رميح) الى ان (غزة) وهي عاصمة الوعي الثالثة التي صمدت في الحرب ومواجهة الصهاينة الغزاة لسنوات طويلة بالرغم من الحصار وافتقارها لكل مقومات الحياة، طرحت ما هو أهم وهو: انه إذا ما توفرت العقيدة يمكن هزيمة من تدربوا وتعلموا بالأكاديميات العسكرية، كما يمكن بالعقيدة تطوير المهارات القتالية وابتكار أساليب التكتيك وتطوير القدرات والقوة.
واوضح (رميح) انه بالرغم من امتلاك الاستراتيجيات الغربية للمبادرة والقدرة على التخطيط والميزانيات والجيوش والسلاح، الا انها تفتقد القدرة على أن تهزم مقاومة المجتمع .. مشيرا الى ان قوات الاحتلال التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية ضد افغانستان لم تحقق الاهداف المطلوبة ولم تستطع تلك الاستراتيجيات أن تصمد أكثر من (12) عاما أمام قوة المجتمع الأفغاني، كما عادت القوات الأمريكية للاحتشاد بكل قوة في العراق، لتعلن بانها لم تنتصر في السابق ولم تتمكن من تنفيذ استراتيجياتها القائمة على اختراق المجتمع العراقي والسيطرة عليه وتغييره، فيما تمكن الفلسطينون من امتلاك القدرة على المبادرة الاستراتيجية في مجابهة الجيش الصهيوني رغم تقدمه العسكري والتكنولوجي، فنقلوا المعركة ولأول مرة في تاريخ فلسطين إلى منطقة الخصم.
وخلص (طلعت رميح) الى القول ان الاستراتيجية التي تصور الغرب مثل كل مستعمر بأنها محكمة؛ يثبت الآن أن ما حدث قديما كالحروب الصليبية التي استمرت (100) عام، وفي حالات الغزو والاحتلال التي بقيت عشرات السنين لم تعد قائمة الآن، فالعراق بدأ معركة المقاومة في أول يوم من الاحتلال وكذلك الأفغان، وان المعركة قائمة ولم تتوقف، ولا بد أن ندرك بأنها طويلة، ونرى أن الغرب لا يستطيع وقفها، وما نراه من صراع وعنف فهذا يعني أن الغرب لم يستطع أن يحقق ما يريد.
وفي ما يأتي نص الجزء الاول من الحوار:
* الهيئة نت : كيف تنظرون إلى المجتمعات ووعي الشباب فيها؟.
// رميح: أتصور أن المجتمعات العربية والإسلامية تتشابه في الحالات التاريخية التي عملت تغييرا وانتقالا في المجتمعات والدول والنظم، والمجتمعات العربية وخاصة الشباب ينظرون الآن إلى إعادة التأسيس لرؤية الأمة وفكرها وسياسات الأمة والنظم التي يجب أن تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأتصور أن الربيع العربي أحد حالات تفجير ضرورة الوعي وهو أهم ما فيها، ومنذ الحرب الإيرانية على العراق وقبل الحرب على العراق وأفغانستان، حملت هذه التطورات مطرقة تضرب رأس المجتمعات والمفكرين والكتاب والقادة وعلماء الدين، فالقضية الفلسطينية كانت محل اجماع، فلم تحدث حالات صراع وخلاف فكري داخل المجتمعات، التي أعلت فكرة ضرورة مواجهة الكيان الصهيوني، وكانت المجتمعات العربية ومنها النخب والشباب واقعة تحت تأثير الحالة الوطنية والإعلام الوطني وإعلام النظم بشكل محدد، وكانت هناك درجة من القناعة بالنظم والارتباط بالنظم السياسية، لكن مع طرقات الحرب العراقية الإيرانية بدأ أمر جديد باتجاه جديد يطرح على العقول تساؤلات جديدة؛ لأن هناك ظاهرة جديدة، فالفهم الذي وضع للثورة الخمينية باعتبارها ثورة (إسلامية) الخ، كانت حالة إلى حد كبير منتشرة، وعندما بدأ هذا العدوان يزلزل ويطرح ضرورة التفكير، ثم ما تلاها من أحداث جسام بما في ذلك الاضطراب الأشد الذي أحدثه غزو الكويت؛ هذه كانت حالة جديدة ونقلة نوعية على النخب والنظم والمجتمعات أعادت التفكير في كثير من المسلّمات والبديهيات التي كان المواطن العربي يعيش في ظلها ومستكن لها، فطرحت عليه تساؤلات كثيرة، ثم جاء الاحتلال والغزو الأمريكي على العراق وأفغانستان لتعيد رسم صورة الآخر أمام المواطن العربي المسلم وتحيي فيه فكرا جديدا، إنه مسلم وليس عربيا فقط وتعيد فكرته، وتعيد تشكيل ورسم صورة الغرب بعقله بمنطق جديد وفكرة جديدة، برؤية حضارية وليس برؤية سياسية فقط، وجاء صمود المقاومة الأفغانية والعراقية ليطرح أسئلة أخرى جديدة على العربي وعلى الشباب العربي خاصة تثير لديه الرغبة بضرورة أن يكون شخصا واعيا ويفهم ما يجري من حوله من أحداث.
وخاصة عندما انتصرت هذه المقاومات، فتلك الهالة والنظرية التي تصور الولايات المتحدة بأن أحدا لا يستطيع مصارعتها وأنها ساحقة ولا يمكن مقاومتها، كما قال السادات: "إنها جبارة ولا يمكن سحقها أو مقاومتها" هزمت الجيوش الأمريكية وتبخرت سمعتها، هذا أثار أسئلة أخرى على المواطن والشاب العربي، بأنه يمكن أن يكون لنا مكان في الكون، يمكن أن يكون لنا نحن كعرب وكمسلمين دور أكبر مما نحن فيه وليس فقط تلقي الضربات، وكذلك صمود المقاومة الفلسطينية وصمود وانتصار غزة، طرحا أسئلة أخرى أيضا حول الصورة التي رسمت عن الكيان الصهيوني بأن جيشه لا يقهر ولا يسحق وأننا نحن مضطربون، فهذه أيضا طرحت أسئلة جديدة تثير الوعي، ومن أهم ما أقوله: إن لدينا (عواصم) للوعي الإسلامي طرحت ضرورة إعادة التفكير بطريقة مختلفة عما كان سائدا من قبل.
عاصمة الوعي الأولى كانت (حماه) بعد أن حوصرت في وقت حافظ الأسد، أرسلت إشارات لم يفهمها المثقف والمواطن العربي إلا بعد تلك الحرب الدائرة في سوريا، قالت: إن هذا النظام طائفي وإن الصمود في مواجهته هو الحل وأن وأن.... وأن هذه النظم العربية هي نظم كارتونية مواليه للخارج، هذا الصمود في هذه المعركة وهذه العدوانية البشعة التي مارسها حافظ الأسد ضد هذه المدينة وهذا الشعب على أساس طائفي، بسبب هذه الحالة طرحت نمطا آخر من الوعي.
* الهيئة نت : وما هي بقية عواصم الوعي التي أشرتم إلى حلب كنموذج منها.
// رميح: نعم، العاصمة الثانية التي أحدثت وعيا في الشارع العربي الإسلامي هي (الفلوجة) هذه الحالة غير المسبوقة في التاريخ مدينة صغيرة تقاتل الجيش الأمريكي وتنتصر عليه، هذه سابقة في التاريخ، هذه سابقة تتحدى التكنولوجيا والتطور العسكري المخيف وتتحدى المعالم السابقة في الحروب العسكرية، مدينة تهزم الجيش الأمريكي وتدخل معه معركة، لم يستطع حسم المعركة فيها إلا بالتحالف مع إيران والجهاز الاستخباراتي ونزع السلاح من مناطق مختلفة وأطراف داخلية تابعة لإيران، وتحريك القوات البريطانية من الجنوب إلى بغداد لتحل محل القوات الأمريكية في بغداد؛ لتتفرغ القوات الأمريكية لقتال هذه المدينة الصغيرة، وكان عدد الأمريكان في ذلك الوقت (130) ألف جندي، وتحرك القوات البريطانية هو لحشد أكبر قوة أمريكية لمواجهة مدينة الفلوجة التي لا يزيد عدد سكانها عن (330) ألف، فعاصمة الوعي العربي الثانية التي طرحت القدرة على الصمود، والبعد العقدي في الصمود، وقوة إيمان الانسان المسلم وضعف القوة الأمريكية المتغطرسة الخ، وبالتالي طرحت الفلوجة أسئلة أخرى على الانسان العربي الذي كان مستكينا كل ذلك الوقت وأعادت التفكير بأن العراق محتل من قوة غاشمة قاتلة وأنه بالإمكان مقاومتها.
وعاصمة الوعي الثالثة كانت (غزة)، فغزة طرحت الصمود في الحرب والوقوف بوجه الغزاة، وطرحت الصمود لسنوات طويلة بالعقيدة دون الأكل والشرب وكل مقومات الحضارة، وطرحت الصمود رغم الحصار، وطرحت ما هو أهم أنه إذا ما توفرت العقيدة فنستطيع أن نعوض بها عن القوة للعدو، وهزيمة من تدربوا وتعلموا بالأكاديميات العسكرية، ونستطيع بالعقيدة أن نطور فجوة المهارات القتالية وأن نبتكر من الأساليب ونطور من القدرات والقوة والتكتيك، وفي هذا لدينا من الكوادر ما يستطيع أن ينهض بالأمة.
وعندما جاء الربيع العربي، أو ما يسمى بالربيع العربي الذي يرفض البعض تسميته بالربيع، جاء تفكير جديد وتأسيس جديد للأمة وتلك الحالة التي نعيشها وهي نفسها صعوبة الربيع العربي التي عرفها في مراحله الأولى، كان اعتراض على بعض المظالم أو على نمط الحكم الفاسد في هذا البلد أو ذاك، لكن النخب تربت في هذا الصراع وطرحت على أذهانها وعقولها واستراتيجيتها ما حدث منذ الحرب العراقية والعدوان الأمريكي، وصمود غزة ومسألة الديمقراطية فاكتشف الجميع أننا أمام ضرورة إعادة التأسيس.
* الهيئة نت : ما يحدث الآن في المنطقة من حراك وتطاحن، هل هو طبيعي بين إرادات أم يمكن أن يقال عنه (مؤامرة) كما يسميها بعضهم؟.
// رميح: كل ما يجري هو موجود هو طبيعي من جهة أن النظم ليست قادرة على التصدي للتحديات الخارجية ولا قادرة على تلبية متطلبات المجتمعات الاحتياجات الداخلية، وأنها تحولت إلى حالات لم يعد بإمكانها أن تقوم بدور المسرحيات الذي يجعلها قادرة على الاستمرار أمام الغرب؛ لأن رؤية الغرب للنظم تحولت إلى رؤية أخرى، وبالتالي كانت هناك أسباب داخلية تتعلق بالنظم وأسباب تتعلق بالوعي العام، فالوعي العربي والاسلامي العام، وعي الكوادر والنخب اكتسب مشروعية في أفكاره ولم يطرأ على عقله فقط مجموعة من التساؤلات، فأصبح أكثر يقينا بأفكاره وليس بعقيدته، لأن عقيدته راسخة لا تتغير، أصبح ممارسا بأفكاره ورؤاه وبالتالي فهناك أسباب تعود إلى ما يجري بأن الحركات والأفكار والقوى السياسية وبشكل خاص الإسلامية بدأت تشعر بالتهديد لبقاء الوضع العربي على ما هو عليه وبقاء النظم على ما هي عليه، وأيضا الشعوب عبر الاحتكاك الحضاري وعبر وسائل كثيرة من التغيير باتت تطلب نمطاً آخر من الحياة، وبدأ يتسرب لها من الطبقات الوسطى أن هذه النظم وهذه السلطات لا يمكن أن تستمر مع التعرض للهزائم، كما أن الغرب غيّر رؤيته لطبيعة النظم والأوضاع في المنطقة، فالغرب خلال صراعه في الحرب الباردة مال إلى استثمار علاقاته داخل النظم حفاظا على مصالحه كي لا تذهب هذه الدول إلى الطرف الآخر، وبعد الحرب الباردة بدأ يعود إلى الفكرة الجوهرية ببعدها الاستعماري وبعدها الصليبي - قل ما شئت -، أن هذه الأرض هي خالية ويجب أن تخلى وأن فكرة العولمة يجب أن تفرض بقوة السلاح والسياسة والمال والإعلام لذلك لجأ إلى القوة والطغيان لكسر روح المقاومة كما حصل في العراق وأفغانستان، لكنه أيضا ذهب إلى انشاء جماعات ومجموعات لإعادة تشكيل النظم في المنطقة العربية والإسلامية فالقوى التي شاركت في الربيع العربي متنوعة ومتعددة، ولذلك فور إطاحة كل قائد نظام أو قائد سياسي رأينا حالة من الاشتباك ذات البعد الأساسي وليست مجرد أفكارا بسيطة، فبعد أن أُطيح بهذه النظم طرح سؤال، هل تذهب التغييرات إلى درجة السماح بأن يأتي الإسلاميون إلى الحكم عبر الانتخابات؟ قال الغرب لا، ومن تعاون من الداخل أيضا رفض، فجعل الأفق الذي جرى حالة الصراع تعود مرة أخرى إلى وقت النظم، واستهدف الغرب تغيير توجه حالة الربيع كي تعيد انتاج النظم السابقة لكن بطريقة محسنة؛ كي ينخدع العربي والمسلم وتتسع أكثر من الحكومات السابقة، فسارع الغرب إلى توجيه الحراك كله ليصل إلى تشكيل نظم جديدة أكثر موالاة للغرب وأكثر حفاظا للمصالح الغربية وتمثيلا للاستراتيجيات الجديدة للغرب، وأكثر ارتباطا بفكرة العلمانية منها بالأفكار القديمة السابقة هذه هي رؤية الغرب.
وكانت هناك رؤية أخرى طرحت على الأرض إعادة الهوية العربية بزمن مختلف وظروف مختلفة وطرح الأفق الإسلامي، فحدثت حالة من التعاون بين المستعمر وبين جماعات داخلية والتحق بهم مرة أخرى أفراد النظم القديمة فتشكلت قوة جديدة يريد الغرب أن يفرضها وأن يشكل منها هذه النظم، هذه هي الحالة التي حدثت في العراق، لكنها حدثت وسط حرب وعنف.
* الهيئة نت : تشكيل العقل العربي المسلم هل كان نتيجة، أم ضرورة في خضم هذه الأحداث؟
// رميح: الانسان هو الظاهرة الأعظم في التاريخ العربي، والعقل الانساني هو الأصعب في التشكيل، ولذلك نقول العلم والتجارب السياسية والممارسة الحياتية والمجتمعية كلها تشارك في تشكيل العقل، فما حدث أن العقل تعرض لهزات كبيرة، وأنا تابعت حالة الربيع العربي، ففي البداية بدأت أعداد قليلة ثم أخذت بالتزايد وتوسعت شيئا فشيئا، وفي لحظة سقوط الطغاة جاءت كل الفئات وشاركت الاحتفال بهذا النصر، وكانت تتحدث أنها شاركت في هذا النصر، وبالتالي كان هناك صمود لأحزاب وتيارات خلال النظم السابقة وكانت ثقافتها وتشكيل وعيها وعقلها في المطالعات للبعد الثقافي والسياسي والعقائدي وإلى آخره، وكان التغيير مرتبط في أذهانها هي، لكن الجمهور وما حدث في المجتمعات من تغيير كان أثر الطرق القوي؛ فبالتالي هو نتاج، ولذلك قلت لك في البداية أن ما حدث للأمة أحدث تغييرا حقيقيا حينما يرى العربي الأفغاني الذي عاش في الجبال ولم يدخل كلية... الخ يهزم الجيش الأمريكي، فلا بد أن يفهم هذا الجانب، وما حدث في العراق، العراق يقاتل منذ الثمانينات وحتى 2015 و2020، وهذه أعظم وأطول مدة للقتال في التاريخ، الشعب الافغاني يقاتل الروس، والعراق يقاتل القوى العظمى الأولى ودول متحالفة معه والدولة الإقليمية الأولى، وكذلك الحالة في فلسطين؛ لذلك تشكل وعي النخب الجديدة والجمهور تحت هذا الطرق والضرورة، وهذا لا يعد عيبا؛ لأن الأمة تولد من جديد وتنهض بالتحديات وليس بالأفكار المسبقة.
* الهيئة نت : المحللون يقولون إن اطارا استراتيجيا محكما من الدول الكبرى يمسك بتحرك الأحداث، من هذا المفهوم ما هو دور المجتمع في مناهضة ذلك؟
// رميح: أنا أتحفظ على أن الدول الكبرى تمسك بإطار محكم في تحرك الأحداث، وهذا من الأخطاء في فهم الاستراتيجية بشكل عام؛ لأنه ممكن أن تكون الاستراتيجية محكمة إذا لم تكن هناك مواجهة، لكن ما دامت هناك مواجهة لهذه الاستراتيجيات فلا يمكن القول: إن هذا الإطار محكم، لكن يمكن أن نقول بأن الاستراتيجيات الغربية تملك المبادرة والقدرة الأعلى على التخطيط والميزانيات والجيوش والسلاح، لكنها تفتقد القدرة على أن تهزم مقاومة المجتمع، ونموذج نجاح الولايات المتحدة والحلف الأطلنطي ودول أخرى وأصدقاء الحلف في غزو أفغانستان معروف؛ لكنهم لم يستطيعوا أن يحرزوا ما يريدون بل لم تستطع هذه الاستراتيجيات أن تصمد أكثر من (12) سنة أمام قوة المجتمع الأفغاني، بالتالي يمكن أن نقول: إن هذه الاستراتيجيات لديها عوامل نجاح في فرض ما تريد لكن الأطراف الأخرى بدأت تعي قوتها ولذلك طال أمد المعارك والصراع الاستراتيجي، وأستطيع أن أقول: إن المجتمع المسلم وبفطرته وبفكره وارتباطه ببعضه ورغم كل ما فيه من دمار وخراب؛ فإنه يملك استراتيجية أعلى، الفلسطيني المحاصر امتلك القدرة على المبادرة الاستراتيجية في مجابهة الجيش الصهيوني بكل قواته وتقدمه العسكري والتكنولوجي في الوقت الذي لا يوجد هناك جيش عربي قادر على مواجهته، فنقل الفلسطينيون المعركة إلى منطقة الخصم، ولأول مرة في تاريخ فلسطين يحدث هذا ولثلاث مرات، وما دمنا نهتم ونسعى للاكتشاف مع ما لدينا من وعي ودراسة وتعليم نستطيع بها أن نملك استراتيجيات تفتح فجوات في تفكير وخطط الخصم الأقوى؛ فمن الممكن أن تهزم الخصم الأقوى، لذلك نقول: إن الأفغان هم الذين انتصروا، والدراسات الغربية تتحدث عن أن الأمريكان أعادوا تجربة فيتنام في أفغانستان وأنهم أعادوا تجربة الانسحاب والهزيمة بعناوين مضللة، الأمر أيضا حدث في العراق فالقوات الأمريكية تعود الآن للاحتشاد بكل قوة، وبالتالي فهي تعلن بهذا أنها لم تنتصر في السابق ولم تتمكن من تنفيذ استراتيجياتها القائمة على اختراق المجتمع العراقي والسيطرة عليه وتغييره، وها هي تعود للقتال مرة أخرى.
وأيضا فإن الفهم المتقدم لمسك الخيوط؛ يجب أن نرفضه بشدة؛ لأن الفلسطينيين يقاومون منذ قرابة (100) عام وإذا رأيت اتجاه حركة الصراع تجد الفلسطيني في تطور مستمر، في مقومات الحياة وقدرته في علاقته بالرأي العام واحتضان الشعوب له وإلى آخره، والصهيوني يتراجع، والمقومات في الكيان الصهيوني تتراجع وتتآكل، وحالة استعداد الأجيال الجديدة على استمرار الصراع تتآكل بينما الفلسطيني قوته تتعاظم.
إذن النقطة المحورية في التفكير هي: هل نفهم الصراعات الاستراتيجية على أنها مجرد الحروب أم أنها استراتيجية، أم نفهم الاستراتيجية على أنها صراع ومجتمعات وحضارات وثقافات وزمن، وبهذه الطريقة نقول بالعكس هذه الاستراتيجية التي تصور الغرب مثل كل مستعمر بأنها محكمة؛ يثبت الآن أن ما حدث قديما كالحروب الصليبية التي استمرت مائة عام، وفي حالات الغزو والاحتلال التي بقيت عشرات السنين لم تعد قائمة الآن بل على العكس، العراق بدأ معركة المقاومة في أول يوم الاحتلال وكذلك الأفغان والمعركة ولم تتوقف فهي قائمة، ولا بد أن ندرك بأنها طويلة ونرى أن الغرب لا يستطيع وقفها، وما نراه من صراع وعنف فهذا يعني أن الغرب لم يستطع أن يحقق ما يريد.
* الهيئة نت : هل تريدون القول بأن المسلمين اليوم يملكون استراتيجيات للتعامل بندية مع الغرب؟
// رميح: نحن نمتلك استراتيجيات أخرى قادرة على هزيمة هذه الاستراتيجية أيا كان الإحكام للعدو؛ لأن الإحكام مسألة نظرية والاستراتيجيات تبنى بشكل نظري على أساس وقائع ومفردات وأفكار.
* الهيئة نت : أين تكمن مكانة المجتمع في اطار هذه الاستراتيجيات للتعامل معها ولهزيمتها؟
// رميح: لنأخذ الدروس التي عشناها بالنمط العسكري، لا يمكن أن تقول: إن الأفغان لديهم قوات عسكرية أقوى من الأمريكان والحلف الأطلسي، وبالتالي ما الذي ملكوه هذا السؤال الأول؟ الذي ملكوه هو قوة قدرة المجتمع والانسان.
ثانيا: إذا ذهبت إلى فلسطين ما الذي أحدث التغيير النوعي والاستراتيجي في الصراع، بعد أن نقل الفلسطينيون المعركة من الإطار الخارجي في الأردن ولبنان إلى داخل فلسطين، كانت النقلة الأهم هي العقيدة وإعادة طرح طبيعة الصراع على أسس عقائدية ودينية وحضارية ومسألة الهوية، لم تحدث نقلة في الوعي فقط وإنما أحدثت نقلة في القدرة والتضحية والاستعداد على المواجهة، ولذلك رأينا ولأول مرة في تاريخ الصراعات أن الكيان الصهيوني الذي يملك قوة عسكرية وتكنولوجية وأسلحة نووية والصواريخ ووو، نراه يضعف أمام الانسان الفلسطيني، ويردعه هذا المواطن المسلم الفلسطيني، الذي يملك من الداخل العقيدة نراه يفكك بنيان الكيان الصهيوني من الداخل؛ فهذا الانسان الذي يملك العقيدة هو الذي يملك الحلول.
دعني أفصّل أكثر: في مرحلة ما بعد عام ما، بعد نظم الستينات وأواخرها؛ إذا ألقيت نظرة على كل التيارات التي كانت في المشهد آنذاك كالتيارات القومية واليسارية والاسلامية الخ بكل تفريعاتها، وإذا أخذت المقاومة الفلسطينية نموذجا ستجد أن تغييرا ما حدث؛ فقد ظهرت حماس والجهاد الإسلامي ولم تظهر أي منظمات أخرى لا ليبرالية ولا قومية، وبالتالي الذي حدث في التغيير على الساحة هو أننا رأينا تقدم بديلٍ إسلاميٍ مرتبطٍ بالعقيدة في الرؤية والفكرة، فكرة الأمة والحضارة والتاريخ... الخ، حدث هذا التغيير حين حصل غزو العراق، وجدنا التيار الإسلامي والجماعات الإسلامية هي التي تتصدى للغازي، وبالتأكيد كانت هناك قوى أخرى تصدت وقدمت شيئا ولو كان نسبيا، وفي الحالة الأفغانية لا يوجد أحد آخر، وبالتالي النماذج العملية تقدم لنا أن الذي تمتلكه هذه الأمة هو أن عقيدتها قادرة على تحديد مفاهيم جديدة للصراع، وعلى تقديم نموذجٍ للتضحية والمواجهة وعلى طرح استراتيجيات صحيحة في المواجهة.
لكن الأهم في هذه الحالة من التغيير، هو اذا رأينا حالة الربيع العربي وتجاربه على صعيد الديمقراطية سنجد أيضا أن المجتمعات قد قدمت الاتجاهات والجماعات الاسلامية في هذه المواجهة، وبالتالي المجتمعات قادرة وتثبت أننا نستطيع إعادة اكتشاف أنفسنا، فالمجتمعات والامة تعيد اكتشاف قوتها وقدراتها وقدرة الفرد فيها وفقا لرؤى كانت تفتقدها، فقد كانت تشن عليها حروب إعلامية وثقافية تغريبية حتى لا ترى نفسها، فنحن واجهنا أنفسنا ولم نواجه الغرب أولا.
في الحالة الإيرانية نحن واجهنا أنفسنا وغفلتنا، واجهنا عدم قدرتنا على الفهم بفضل الصمود في الحالة العراقية، والصمود في الحالة السورية، وبالتالي إذا رأيت المشهد العام ستشاهد المجتمعات تملك مدادا من بحر من القدرة، وأنها فور أن بدأت تستعيد نفسها وتاريخها ورؤيتها وهويتها وتفهم من هي بالتحديد؛ أصبحت قادرة على أن تقف في وجه أعتى الاستراتيجيات.
* الهيئة نت : كيف تنظرون إلى منظمات المجتمع المدني والأحزاب المشاركة في العملية السياسية في العراق، هل ترى لها أي دور في الإصلاح والاستراتيجيات؟
// رميح: أنت بدأت أول سؤال بالاستراتيجيات المحكمة، وأنا أفهم منطق الاستراتيجية المحكمة بمنطق أنها ذات طبيعة عسكرية وذات طبيعة سياسية وذات طبيعة ثقافية وذات طبيعة جغرافية وذات طبيعة لوجستية و و..، ضمن هذا الفهم، حين وصل الأمريكي إلى العراق كان هدفه الأول إنهاء وجود الدولة لكي يتعامل بشكل مباشر لإنفاذ استراتيجيته في داخل المجتمع العراقي دون حواجز، وحين بدأ يقيم السلطة في العراق حشد وجمع كل القوى التي جاءت معه على الدبابة والتي استعدت للتعامل مع الدبابة والتي ارتشت بالمال أو تجار الحروب والأزمات والخراب ...الخ، وشكل مجموعات من الصحف والفضائيات ودعمها، وشكل مجموعات من الأحزاب، فضلا عن تشكيله ودعمه للمليشيات المرتبطة بإيران، التي هو كان من يتحكم فيها من حيث التدريب والدعم ...الخ، ضمن هذه المنظومة من دخل فيما يسمى بالعملية السياسية، هو لم يدخلها إلا تحت مظلة استراتيجية وسقف وعمل وشروط الاحتلال، الاحتلال هو الذي شكل السلطة والجيش وأسس البرلمان، ورتب القوانين وأعلى من أعلى وأقصى من أقصى، وبالتالي فهذه كلها من أدوات واستراتيجية المحتل المستعمر؛ ولذلك لم تجد حزبا حقيقيا أو تيارا حقيقيا ولا مقاومة أو هيئة وطنية حقيقية قد دخلت في العملية السياسية، وبطبيعة الحال هناك قوى إسلامية تشارك في هذا البناء الذي شكله الاحتلال، ليس بمنطق أخلاقي فقط، وإنما بمنطق الرؤيا الاستراتيجية، حين تندمج في مؤسسات شكّلها الاحتلال فأنت تصبح خادما ومنفذا لأهداف استراتيجية الاحتلال، وكل هذه الكيانات نموذجها الحقيقي هو: جيش المالكي.. أين ذهب!!!.
وللحوار بقية ....
الهيئة نت
ح
في حوار للهيئة نت .. (طلعت رميح) يؤكد ان حماة والفلوجة وغزة تُمثل عواصم الوعي الاسلامي