اجرى مراسل الهيئة نت في القاهرة (عبد المنعم البزاز) حوارا مع العلامة الشيخ (عبد الملك السعدي)، في ما يأتي نصه:
جميل أن يجلس المرء في رحاب أهل العلم لينهل من معينهم الصافي، ويغترف من فيض عطائهم الدائم، ويستظل بكنفهم الدافئ الذي يذهب بك بعيدا عن زخرف الدنيا ومغرياتها، ويضع نصب عينيك ملامح مهمة في طريق العلم وتحصيله وبذله فضلا عن غرس بذور معترك الحياة من خلال تجارب تمتد لعقود من الزمن بكل ما تحمل من متغيرات وتقلبات، كل ذلك كان بكلمات دافئة طرقت السمع من خلال لقاء الهيئة نت مع العلامة الشيخ الدكتور (عبد الملك السعدي).
* الهيئة نت : ممكن ان تحدثونا عن بعض محطات طلبكم للعلم ومواقف العلماء معكم؟
// الشيخ السعدي: لدينا مواقف جميلة مع الشيوخ الذين علمونا، فمثلا سمع لي احدهم متن قطر الندى وأعطاني جائزة، وكانت لديّ دراسة لمدة (12) عاما تم اعتمادها وعندما أعلنت التدريس عام 1960 جاء (سالم باش) وقال له الشيخ (عبد العزيز) نريد الشيخ (عبد الملك) في الأوقاف وليس في التربية، فقال له كما تريد وعندما ذهبت للاختبار أعطوني (12) سؤالا في النحو والصرف والبلاغة والعقيدة، ثم صححت الدفاتر من كبار العلماء واعطاني المجلس العلمي ولاول مرة في تاريخه درجة 120 من 120 كاملة، وفي امتحان القبول بكلية الإمام الأعظم قال لي (أحمد ناجي القيسي) عضو اللجنة سمعنا انك تحفظ ألفية ابن مالك، فقلت نعم ، قال اقرأ لنا مما تحفظ من أفعال المقاربة فذكرت له الأبيات، قال اشرح لنا هذا البيت فشرحته، ثم قال فيما بعد أثناء الدراسة أشهد أن فيكم من يستحق الجلوس مكاني ولكن هذه طبيعة الحياة، وفي احدى المرات جاءني سؤال من تركيا يقول ان هناك تناقضا في القرآن فنقرأ قوله تعالى (والله يحب المقسطين) وقوله تعالى (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)، فقلت هذا من الثلاثي، قسط أي جار والمقسطون من أقسط وهذه الهمزة للإزالة أي زال قسطه فصار عدلا، ففرح الشيخ المدرس بهذه الإجابة، وهكذا كان شيوخنا يشجعوننا، وهكذا يمكن لأهل العلم أن ينتفعوا فيما بينهم من خلال تدارس العلوم والبحث في مسائلها.
* الهيئة نت : ما هي أهم مميزات طالب العلم برأيكم؟
// الشيخ السعدي: أهم شيء في طالب العلم التقوى، قال تعالى (واتقوا الله ويعلمكم الله)، بمعنى أن نقدم التقوى على العلم، فمن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، وأن ينوي في سعيه بإخلاص العمل لله، ولا يخطر بباله الراتب ولا البروز، والآن موديل لدى طلبة العلم البروز والشهرة ويسعى بكل ما يستطيع أن يختفي، قال لي أحد طلبة العلم متى نصبح في المجلس العلمي الخ ؟ قلت له عندما تصبح تكره المنصب أو البروز.
* الهيئة نت : ما هي اوجه المقارنة بين طلبة العلم بالأمس واليوم؟
// الشيخ السعدي: اليوم الطالب لا يفكر إلا بالشهادة ويعتقد انه إذا أخذ هذه الورقة أصبح عالما وبدأ يفتي، وهذا جربناه من خلال عملنا في الجامعات، فالذي جاء لطلب الشهادة فقط أصبح فيما بعد مؤذيا من خلال فتواه كما أصبح يتجاوز بعضهم على شيوخهم الذين علموهم ودرسوهم، بقوله هو دكتور وأنا دكتور، وقد تجد بعض أساتذة الجامعات لا يحرصون حتى على الصلاة في جماعة، وإذا صلى جماعة تراه يكتفي بالفرض ولا يحرص على السنن والنوافل، وصار العلم للعيشة فقط وقليل من نجده يدرس العلم للعلم إلا ما رحم ربي.
* الهيئة نت : ماهي الطريقة المثلى في تلقي العلم، وهل تكون بين الجمع بين الطريقتين القديمة والحديثة (الأكاديمية).
// الشيخ السعدي: نعم ممكن، ولا بد أن تخصص وقتا لتلقي العلوم على يد شيخ متقن، ومن الضروري أن يكمل الطالب كتابا في الفقه الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي، وآخر بالنحو يبدأ من الآجرومية مرورا بالقطر ثم الألفية ثم مغني اللبيب، وهكذا بقية العلوم، ففي كل مادة يتدرج طالب العلم من المختصر إلى الوسط إلى المطولات.
* الهيئة نت : إذنً لا بد من شيخ لأخذ العلم منه؟
// الشيخ السعدي: نعم لا بد من شيخ يجثو طالب العلم على الركب، حيث كانت المدارس الدينية في العراق جلوسا على الأرض ولا توجد رحلات، فهناك مادة تحتاج إلى ربع ساعة وهناك مادة تحتاج ساعتين، فمادة أصول الفقه تحتاج ساعة ونصف، والنحو وهكذا بقية العلوم، وأحيانا موضوعا فقهيا يحتاج إلى نصف ساعة.
* الهيئة نت : إذا تعذر وجود الشيخ ماذا يفعل طالب العلم؟
// الشيخ السعدي: قال الإمام ابن تيمية العلم يؤخذ من أفواه الرجال لا من بطون الكتب، ولذلك صار خطأ كثيرا عندما يقرأ النص ولا يفهمه كاتبه، أجد مثلا في رسالة جامعية نصا فأقول للطالب ما معنى هذا الكلام اشرحه، لا يستطيع، وهذه مشكلة كبيرة.
* الهيئة نت : إذن يشترط كما قال العلماء : ومن نال العلوم بغير شيخ يضل عن الصراط المستقيم؟
// الشيخ السعدي: نعم وكما قال الشافعي "رحمه الله تعالى"
أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان
* الهيئة نت : ما هي مميزات الشيخ أو المدرس بعد أن عرفنا مميزات طالب العلم؟
// الشيخ السعدي: أهم شيء أن يتحمل طلابه ويصبر عليهم ويعيد لهم الدرس ولا يضجر، وعلى الطالب أن لا يضجر ايضا كما سبق الحديث عنه، يقال إن (ابن حجر الهيتمي) جاء إلى الأزهر طالبا للعلم فبقي مدة من الزمن ولم يكن تحصيله العلمي كما ينبغي، فقرر أن يعود إلى قريته، وحمل متاعه وفي الطريق مر على بئر فيه حبل تسحبه دابة ورأى أن الحبل ترك أثرا في صخرة قرب البئر وعمل فيها شقا، فتأمل ابن حجر في هذا وقال:
اطلب ولا تضجر بالمطلب فآفة الطالب أن يضجر
ألم تر الحبل بتكراره في الصخرة الصماء قد اثرّ
فقرر أن يعود إلى الأزهر ولم يسافر إلى أهله، ثم أصبح من كبار علماء الأمة وشرح التحفة والحضرمية، فينبغي للشيخ أن يعامل طلابه بأسلوب حسن ولا يغضب إلا لمصلحتهم، يحاول أن يقدم لهم خدمة مالية ومعنوية إن استطاع، بل قد تصل العلاقة أحيانا بين الشيخ وطلابه إلى علاقة روحية، ناهيك عن حل مشاكلهم والوقوف على ما يذلل لهم العقبات، كما ينبغي للعالم أن يكون متواضعا وألا يشعر المقابل بالتعالي عليه، لكن المشكلة أن بعض الشيوخ لما حصلوا على الشهادات تركوا التدريس في المساجد.
* الهيئة نت : بماذا توصي طالب العلم؟
// الشيخ السعدي: أوصيه بأن يعمل بما علم أولا، ويحرص على العلم ولا يضيعه ولا يستهين بمادة، ولا بد لطالب العلم أن يكون له إلمام وتخصص في كل المواد كما أوصيه بأن يحرص على أداء السنن والنوافل التي أصبحنا نراها فيما بعد كالفريضة وخاصة لطالب العلم، فيجب الحرص على صلاة الليل والضحى، وهذه السنن إن لم يحرص عليها طالب العلم فمن سيعملها اذنً (واتقوا الله ويعلمكم الله).
* الهيئة نت : بعد هذه الرحلة الطويلة في طلب العلم وتحصيله وتجربتكم الممتدة لأكثر من سبعة عقود، ماذا تعني لكم الحياة؟
// الشيخ السعدي: نسال الله أن يوفقنا ويحسن عملنا (خيركم من طال عمره وحسن عمله).
* الهيئة نت : بماذا توصي القائمين على تدريس العلوم الشرعية الآن؟
// الشيخ السعدي: أوصي بأن نعيد تدريس العلوم الشرعية بالطريقة المعروفة وعلى ضوء سلم التدرج فنبدأ بالمختصرات ثم ننتهي بالمطولات لتنشئة جيل جديد يحمل الأمانة، ولو قدر لي أن أعود إلى العراق مستقبلا إن شاء الله سأتفرغ لطلبة العلم وتدريس العلوم العقلية والنقلية ولن أُدرس في الماجستير او الدكتوراه، فنحن اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في طريقة التلقي وعدم الاكتفاء بالدرس الأكادميي ولا بد من دراسة العلوم العقلية والنقلية على يد شيوخ متخصصين وبالتدرج كما أسلفت.
* الهيئة نت : هل يمكن أن يعود العراق وعلماؤه إلى سابق عهدهم ويكون بلد العلم والعلماء؟
// الشيخ السعدي: نعم يمكن أن يعود العراق إلى سابق عهده؛ لأن العراق فيه علماء يشار إليهم بالبنان تراهم موسعيين وبارعين في كل العلوم.
* الهيئة نت : ما هي نظرتكم المستقبلية للعراق في ظل الظروف الحالية؟
// الشيخ السعدي: العراق مر بمراحل أصعب من هذه بكثير، فتراه يذهب عن أهله ثم يعود إلى أهله، (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض) وهذه سحابة صيف إن شاء الله ستنتهي ويرجع العراق إلى أهله، ويعود الجميع إلى بلدهم ان شاء الله، فالعراق نشتاق إليه والى رؤيته ورؤية بغداد ومساجدها وأزقتها وشوارعها.
* الهيئة نت : شكرا لكم فضيلة الشيخ على هذا اللقاء وجزاكم الله خيرا.
// الشيخ السعدي: حياكم الله ومرحبا بكم.
الهيئة نت
ح
نص الحوار الذي اجرته الهيئة نت مع العلامة الشيخ عبد الملك السعدي