هيئة علماء المسلمين في العراق

قناة الرافدين تحاور الدكتور بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم الهيئة ضمن برنامجها (تحت الضوء)
قناة الرافدين تحاور الدكتور بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم الهيئة ضمن برنامجها (تحت الضوء)  قناة الرافدين تحاور الدكتور بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم الهيئة ضمن برنامجها (تحت الضوء)

قناة الرافدين تحاور الدكتور بشار الفيضي الناطق الرسمي باسم الهيئة ضمن برنامجها (تحت الضوء)

اكد الشيخ الدكتور (محمد بشار الفيضي) الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين ضرورة التمسك بالهوية الوطنية وعدم معالجة الاستبداد الذي نال من هذه الهوية بالتراجع عن مفهوم الوطن إلى المفهوم القبلي أو المفهوم الطائفي الذي من شانه اعادة الناس الى شريعة الغاب، ويصبح القوي يأكل الضعيف ويُقتل الناس في الشوارع.

واوضح الدكتور (الفيضي) في حوار اجرته معه قناة الرافدين الفضائية ضمن برنامجها (تحت الضوء)، ان عملية فك الاشتباك بين السلطة الزائلة وبين الوطن الدائم لا تكون بالتراجع عن مفهوم الوطن وإنما بتصحيح الواقع .. مشيرا الى ان المواطنة في البلدان العربية بصورة عامة عاشت فترة انتماء وهميا، وتمّ التلاعب بها من قبل الحكام المستبدين وأصبح المواطن صفة يطلقها الحاكم على كل من يواليه ويعظّمه، ويصف كل من يعارضه بالخائن.

واعرب (الفيضي) عن اسفه الشديد لان ما يريده بعض السياسيين السذج الذين يحكمون العراق حاليا هو ان يتراجع هذا البلد عن بداية الرقي الانساني وأن يتراجع عن مفهوم الدولة الوطنية ليقع فريسة الخلافات القبلية التي تم تجاوزها، فالذي يقول إن الوطنية لم تعد واقعا واهم جدا، لان الوطنية هي الواقع الأقوى الآن الذي يفرض وجوده على خارطة العالم .. مشيرا الى ان دول العالم التي تقدمت بفعل الدولة الوطنية تحاول أن تطور نفسها لتقوم بالتعاون مع عدة دول لكي تنّمي قوتها وتزيد من ثرواتها ـ وهذا عكس من يظن بأن الوطنية انتهت من القاموس البشري ـ وذلك لان كل منظمات العالم بما فيها اليونسيف واليونسكو تقوم على أساس دول المواطن.

وبشأن واقع العراق بعد الغزو الهمجي والاحتلال الغاشم الذي قادته امريكا، اوضح الشيخ (الفيضي) ان العراق في عام 2003 ليس العراق عام 1921م، حيث جاء المحتل وضرب هذه الدولة، بعد ان ادّعى انه يريد إسقاط النظام وتبيّن أنه يريد تدمير الدولة .. مشددا على ان من يحاول تقسيم العراق طائفيا وعِرقيا، يريد أن يدفع بالشعب إلى مصير مظلم، لأن ميزة الهوية الوطنية أنها هوية جامعة لا تتعارض مع الهويات الأخرى.

وفي ختام الحوار نفى الشيخ (محمد بشار الفيضي) ان يكون الانتماء الى الوطن يهدد الانتماء الى الدين والعقيدة، وقال ان الشرع اختار للناس الطريقة التي يعيشون بها وحيثيات الوطنية لديها مؤشرات ودلالات في القرآن الكريم والسنة، فعندما غزا (عباس الصفوي) بغداد، قتل علماء السنة وهدم مساجدهم وسرق اموالهم ونقض دواوين الدولة وقتل العسكر وفعل بهم كما يفعل توري المالكي ومن معه اليوم، لكن السنة في العراق عادوا وبقوة .. معربا عن ثقته بان الحرب الضروس التي يقودها المالكي واذنابه ضد طائفة السنة لن تنهي هذه الطائفة بل ستعزز من وجودها.

وفي ما يأتي نص الحوار:

*الرافدين: في هذا اللقاء الذي نسلط فيه الضوء على الهوية الوطنية الجامعة، ثمة سؤال كبير ومهم لماذا نحتاج أن نبحث في الهوية الوطنية العليا، ما هي الضرورة الملجئة، وهل نحتاج لهذا الموضوع في أوقات المحن والهزات والأزمات، أم أن الحاجة قائمة ومستديمة حتى في أوقات الرخاء والاستقرار؟
// الفيضي: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا أردت أن أجيب على سؤالك باختصار لماذا نتمسك بالموضوع الوطني، فأقول حتى نعيش بسلام، اسمح لي أن أجيب عن هذا الموضوع بشقين، الأول تاريخي، والتاريخي تعريف بهذا المصطلح وأهميته في الوقت الحاضر، بدأت الخليقة بآدم وحواء وبذريتهما كانت البشرية أربعة أنفار، صاروا ثمانية، ثم ستة عشرة، بدأوا يتكاثرون، خلق الله الانسان وهو نزّاع إلى الجماعة ومدني بطبعه كما يقول ابن خلدون، والحكمة من ذلك حتى يتمكن الانسان من إعمار الأرض، بدأت التجمعات البشرية تكثر هنا وهناك، فبدأ الانسان ينزع أولا إلى الأسرة ثم لما كثرت أعداد الناس بدأ الانسان ينزع إلى العشيرة، ثم هكذا إلى القبيلة، وشيئا فشيئا تطور مفهوم الجماعة للبشرية، تارة كان الانسان يُحكم من زعم قبيلة فهو القاضي وهو الحاكم وهو الذي يضبط أمور القبيلة، أحيانا كان يُحكم من زعيم قبائل متعددة يبسط هيمنته على مجموعة من القبائل فيعيش الناس تحت عدله وإنصافه حتى تضبط العلاقات الاجتماعية، اتسع الأمر بدأت البشرية تُحكم من خلال حضارات، فصارت الحضارة الإغريقية والفينيقية وحضارة وادي الرافدين وغيرها، ثم ظهرت بعد ذلك زعامات تريد أن تسيطر على الحضارات فظهر الإسكندر المقدوني، وظهر ذو القرنين وهكذا، ثم جاء العصر الحديث وبدافع الغلبة والاستيلاء ظهرت الدول الكبرى حتى أفضنا إلى حربين عالميتين عظيمتين تسببتا في إحداث خسائر هائلة كبيرة على مستوى الرقعة الجغرافية للكرة الأرضية، بعد هاتين الحربين استحدث العالم نظام الدولة الوطنية فقُسِّم العالم على ما يقرب من مائتي دولة، لهذا إذا أردنا أن نُعرِّف الدولة الوطنية فسنقول عنها باختصار "هي تجربة انسانية ناجحة، وواقع دولي دستوري لا مندوحة عنه"، نحن الآن شئنا أم أبينا نعيش في ظل نظام دول لها حدود ولكل دولة دستورها ونمط علاقاتها تخصها، إذن لا مجال للجدل الآن حول الموضوع الوطني هذا واقع دولي نعيشه الآن، ونحن مضطرون إلى أن نسير ضمن إطاره، ما هي الدولة الوطنية؟، ما هي المواطنة؟، الدولة الوطنية تمخض عنها العامل البشري لكي يتمكن مجموعة من الناس يعيشون على أرض محدودة تختلف أجناسهم لغاتهم أعراقهم من أجل أن يعيشوا بسلام من دون خلافات، من أجل أن يقتسموا الثروات التي يعيشون عليها بعدالة وإنصاف جاء موضوع الوطن، الوطن كما يقول أهل اللغة هو مولد الانسان والبلد الذي نشأ فيه، لكن الوطن في العرف الحديث هو الإطار الأوسع الذي يجمع الأفراد على اختلاف قومياتهم ولغاتهم وأديانهم في إطار جغرافي واحد، هذه التجربة نسميها تجربة رائدة؛ لأن الانسان استطاع من خلالها أن يتجاوز الواقع المرّ في التعايش بعد أن كانت مناطق تقتلها الحروب والخلافات سواء على الثروات أو على السلطة أو على الزعامات، وتكون دوافعها إما طائفية أو عرقية أو دينية، استطاع هذا النظام أن يتجاوز بالشعوب هذه الخلافات الداخلية والحروب الأهلية والانقسامات الثقافية، فكان الجميع يخضع لشيء اسمه الوطن، ويقدم هوية الوطن على الهويات الفرعية الأخرى بهذا النظام تقدمت فرنسا وتطورت، وتقدمت ألمانيا وتطورت، وكذلك سويسرا وأمريكا والصين، وحتى الدول العربية بهذا النظام استطاع العراق أن يبني نفسه منذ تأسيس دولته، واستطاعت سوريا كذلك واستطاعت مصر أن تحقق انجازات وإن كانت دون انجازات الدول الغربية، إذن باختصار الدولة الوطنية تجربة انسانية ناجحة وواقع دولي لا مندوحة عنه، ليس بإمكاننا أن نخرج عن إطاره الآن إلا إذا أردنا أن نعود إلى الوراء إلى ما قبل التاريخ، وأن نعيش مزقا طوائف متناحرة، أعراق متناحرة، قوميات متصارعة، وهذا لا يقول به عاقل.

*الرافدين: أشكرك فضيلة الشيخ على هذا الإيجاز التاريخي، لكن في موضوعنا وجدنا أنفسنا في واقع دولي صنعه الكبار عقب الحربين العالميتين، هنا ليس من اعتراض على أن الناس موجودة في وطن ضمن هذه الحدود الجغرافية أو السياسية، الاعتراض هنا وحالة السخط أو حالة الحنق تولدت بسبب ممارسات السلطة خاصة في الأنظمة الشمولية الاستبدادية هذه، السلطة القمعية والباطشة ولّدت بممارساتها البوليسية حالة من السخط والحنق عند أجزاء أو مكونات كبيرة من الشعوب نتحدث عن دول العالم الثالث ومنها طبعا العراق، والمثل الذي أوردته عن تقدم الدول الديمقراطية في إطار هوية وطنية جامعة ربما لا ينسحب على هذه الدول وفي حالة من الخلط بين الوطن وبين السلطة بفعل الشحن السياسي والإعلامي، كأنه ترسخ في ذهن الناس وفي ذهن المواطن أن السلطة والوطن واحد؛ لذلك بدأ يشعر بغض من الوطن جراء ممارسات السلطة، عملية فك الاشتباك بين السلطة الزائلة وبين الوطن الدائم كيف تكون؟.
// الفيضي: عملية فك الاشتباك لا تكون بالتراجع عن مفهوم الوطن وإنما تكون بتصحيح الواقع، نعم نحن نقرّ بأن الأنظمة العربية تختلف عن الأنظمة الغربية، الأنظمة العربية عاشت فترة انتماء وهميا للمواطنة؛ لأن المواطنة تمّ التلاعب بها من قبل الحكام المستبدين وأصبح المواطن صفة يطلقها الحاكم على من يواليه ويعظمه، وأصبح كل من يوالي الحاكم ويتقدم له بالولاء المطلق مواطنا، ومن يعارضه خائنا هذه حالة عانينا منها في الدول العربية، عملية التصحيح يفترض أن تكون بالثورات على هذا الواقع وهذا ما يحدث الآن بدأت عملية التصحيح في مصر وليبيا وسوريا ولكن دعنا نذكر أمرا مهما، عملية التصحيح هذه إذا لم تهتد وإذا فقدت البوصلة ربما سيأتي اليوم الذي سنترحم فيه على أولئك الزعماء .. أولئك الزعماء على علاتهم واستبدادهم وظلمهم استطاعوا المحافظة على حدود المواطنة مع غبن كبير للشعوب، هذا متفقون عليه، لو أن هذه الشعوب بعد ثوراتها استطاعت أن ترتقي إلى مستوى المواطنة كما هي في الدول الغربية سيحتقر الناس الأيام التي خضعوا فيها لهؤلاء الحكام، إذن ما أريد أقوله، ان الاستبداد الذي أصابنا والذي نال من الهوية الوطنية لا تكون معالجته بالتراجع عن مفهوم الوطن إلى المفهوم القبلي أو إلى المفهوم الطائفي حتى تعود إلينا شريعة الغاب، وإذا كنا في ظل الحاكم الواحد نعيش أمنا سنذهب الى واقع لا أمن فيه يأكل القوي فيه الضعيف ويقتل الناس في الشوارع كما يحدث الآن في ليبيا، وكما يحدث عندنا في العراق، يجب أن نتمسك بالهوية الوطنية وإذا أصابها خلل أن يقوم الشعب بمهمة التصحيح، وهذا ما ندعو إليه شعبنا العراقي لأنه يخضع لمصيبتين، مصيبة الحاكم المستبدّ، ومصيبة التراجع عن الهوية الوطنية من خلال بروز هويات فرعية كالهويات الطائفية والعرقية.

*الرافدين: ثمة من يذهب إلى ان الهوية الوطنية كنموذج سياسي اجتماعي ثقافي حدث صنع في الماضي في ظروف معينة لم تعد موجودة الآن، وبالتالي التعويل على هذا النموذج كواحد من المخارج الوطنية في عملية استدعاء أيضا قصرية أطلقت عليه عملية التصحيح، ضمن هذا الإطار خاصة فيما تتعرض له الشعوب من هزات ونكبات كما يجري في العراق، ربما هذا التعويل فيه الكثير من السطحية أو السذاجة أو الطيبة، هذا نموذج حدث في الماضي لم يعد موجودا بفعل عوامل كثيرة وبفعل الهزات وبفعل قضية العولمة وانتفاء هذه الحدود .. حدود دول العالم والثقافات أصبحت لا تعتد بالحدود الجغرافية ولا السياسية.
// الفيضي: مع اجلالي لمن يتحدث بهذه اللغة يبدو انه لا يفهم الواقع العالمي، الواقع العالمي ما زال الموضوع الوطني قائما نحن الآن نعيش ضمن خارطة عالمية فيها أكثر من مائتي دولة وطنية، وبعض هذه الدول لأنها أخذت بالمفهوم الوطني بصورته الصحيحة تطورت وأصبحت من الدول المتقدمة، هي الآن ترتقي من الدولة الوطنية إلى اجتماع عدة دول إما على طريقة الكونفدرالية كما هو حال الاتحاد الأوربي أو على طريقة الفدرالية كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية، لا يوجد دولة واحدة في العالم تتراجع إلى الخلف، ما يريده للأسف بعض السياسيين السذج - إذا جاز لي أن أصفهم- هم يريدون في العراق أن يتراجع عن بداية الرقي الانساني، أن يتراجع عن مفهوم الدولة الوطنية ليقع فريسة الخلافات القبلية وهي قضايا تجاوزناها ما قبل التاريخ فمن يقول إن الوطنية لم تعد واقعا واهم جدا، الوطنية هي الواقع الأقوى الآن الذي يفرض وجوده على خارطة العالم، ودول العالم التي تقدمت بفعل الدولة الوطنية هي تحاول أن تطور نفسها لتقوم بالتعاون مع عدة دول لكي تنّمي قوتها وتزيد من ثرواتها، هذا ما يحدث الآن في العالم على عكس ما ذكرت أخي الكريم على لسان من يظن أن الوطنية انتهت من القاموس البشري هذا ليس صحيحا بالمرة، لدينا حتى اللحظة مجلس أمن يقوم على دول المواطن، لدينا جمعية الأمم المتحدة تقوم على دول المواطن، منظمة التعاون الإسلامي تقوم على دول المواطن، وكل منظمات العالم حتى اليونسيف واليونسكو كلها تقوم على أساس دول المواطن، فمن أين أتى هذا الرجل بمثل هذا الحديث؟.

*الرافدين: ان الحديث عن الهوية الوطنية العليا، نتحدث عن حالة العراق الآن تحديدا عقب الغزو الأمريكي وإنزالها على واقع البلد في ظل الاحتلال ومخرجاته وإفرازاته كالتعويل عليها  كجزء من مقتضيات الحل الوطني أو تصحيح هذا الواقع فجأة بدون تنظير أو ترسيخ وعي الناس في المراحل السابقة خاصة في ظل الاشتباك بين مفهوم الهوية الوطنية مفهوم المواطن ومن السلطة الوطنية، هناك عملية خلط مشوهة قد يعسِّر عملية مهمة المؤمنين بالهوية الوطنية الجامعة كإطار منقذ وسبيل منقذ لما تعانيه الشعوب ومنها الشعب العراقي خاصة بعد 2003م.
// الفيضي: نحن كنا وطنا واحدا، وحكمتنا أنظمة بغض النظر عن موقفنا من هذه الأنظمة، هذه الأنظمة شئنا أم أبينا، رضينا عليها أم سخطنا بنت دولة، بنت اقتصادا، بنت تعليما استطاعت ضبط الأمن في البلاد، هكذا على مدى ثمانين عاما نعم حدثت انقلابات تغيرت أنظمة الحكم، لكن الحالة التي كانت سائدة هي حالة تنمية وحالة بناء، العراق في عام 2003م ليس العراق عام 1921م، جاء المحتل وضرب هذه الدولة، ادّعى انه يريد إسقاط النظام وتبيّن أنه يريد تدمير الدولة، فبالتالي السؤال الذي نقوله لأبناء شعبنا كيف نعيش بسلام ونحن نعيش في منطقة جغرافية متعددة اللغات متعددة الطوائف متعددة القوميات، السؤال كيف نعيش لدينا تجارب انسانية رائعة هناك (199) دولة تعيش بسلام رغم اختلاف شعوبها في اللغة وفي الطوائف وفي الأديان، من يأتي الآن ويقول نترك تجارب الـ(199) دولة ونعود إلى الحياة البدائية فنقسم بلدنا طائفيا وعِرقيا، هذا يريد أن يدفع بالشعب إلى مصير مظلم لأن ميزة الهوية الوطنية أنها هوية جامعة لا تتعارض مع الهويات الأخرى.

*الرافدين: سنتحدث عن الهويات الفرعية وتصادمها وتعارضها مع الهوية الوطنية أم أنها لبنات مكونة، لكن هناك من يتحدث عن الهوية الوطنية والمواطن والمواطنة، هذا الحديث ما كان يلقى قبولا واستئناسا لا في السابق و في الحاضر بسبب مصادرة السلطة لهذه الهوية وتوظيفها لصالحها ولصالح الآيديولوجية أو لصالح مكاسبها الحزبية أو السلطوية واعتبار من يواليها، هذا مواطن وهو وطني ومن يتصادم معها حتى وإن كان وطنيا حقيقيا فهو خارج الدور وربما خائن بالاضافة إلى أن الحديث عن الوطنية والمواطنة كان حديثا أجوف يعني لم يرتب للمواطن حقوقا، أنت تحدثت عن هذه الأنظمة الوطنية كان من حسناتها انها حافظت على الوطن كرقعة جغرافية .. كحدود سياسية لكن في المقابل حطمت أو صدّعت الهوية الوطنية باعتدائها على كرامة المواطن .. على خياراته السياسية .. على حرية تعبيره، بل على حقوقه الأساسية، هشمت الهوية الوطنية، ما السبيل إلى تغييب هذه الصورة النمطية الذهنية السيئة عن قضية المواطنة أو الهوية الوطنية الجامعة للناس؟.
// الفيضي: الأنظمة الاستبدادية فعلت هذا، ولكن أنا قلت لك الحل هو في الثورة على الأنظمة الاستبدادية وتصحيح الأوضاع، دعني أضرب لك مثلا، في فرنسا هيمن على السلطة رجال الدين وطبقة النبلاء استغلوا الشعب وحطموه وسرقوه واستنزفوا قدراته، قامت الثورة الصناعية وأطاحت برجال الدين وبالنبلاء وخلقت دولة ديمقراطية كاملة المواصفات، هذا هو الحل الذي يفعله العقلاء، لكن لو أن فرنسا قالت لا حل إلا بأن ننقسم إلى بروتستانت وكاثوليك وأرثوذكس، والآخر قال لا حل إلا بأن ننقسم إلى نبلاء وغير نبلاء، لكانت فرنسا اليوم أثرا بعد عين، في واقعنا العراقي نحن نقول للشعب صحّح الوضع ليس بأن تقسم نفسك، هذا لا يقول به عاقل، أُدّمر نفسي إما إن أعيش جيدا وإما أن أُدّمر نفسي، لا صحح الأوضاع، ثُر على النظام الفاسد أزل طبقة رجال الدين التي تتحكم بالسلطة، أزل الطبقة الفاسدة التي توالي أنظمة خارجية، ادفع إلى السلطة أبناءك المخلصين، أعد بناء وطنك، هذا هو الحل الذي يميل إليه العقلاء، لكن ما نسميه اليوم شيئا مثيرا للسخرية يقول ما دام المالكي يتحكم بالسلطة وما دام لديه نفس طائفي دعونا نقسم البلد، السؤال إذا قسمنا البلد هل ستنتهي المأساة، ميزة الهوية الوطنية أنها تحتوي كل الهويات التي سنأتي على ذكرها كما ذكرنا، لكن إذا انخرمت الهوية الوطنية وبرزت الهويات الفرعية فالسؤال المطروح من الذي يضمن أن الطائفة وحدها ستبقى السنة متعددون فهناك سنة عرب وسنة كرد، وهناك سنة صوفية وسلفية وهناك سلفية مرجئة وسفلية جهادية، الشيعة هناك إمامية وغير إمامية، الأكراد هناك بهدان وسوران، وسندخل في عملية من الانشطار الذاتي.
الذين يدعون الى الفدرالية اليوم هم أقرب ما يكونون الى الجنون، هم يدفعون البلد كأنه صخرة تدفعها من أعلى الجبل ولا يعرف اين ستنتهي وحينما تصل القاع الى كم  جزءا ستتشظى، يجب ان نصبر على هذا الحاكم ونعمل على اسقاطه ونستبدل الحكم بحكم رشيد .. حكم وطني يضم العراقيين جميعا على اختلاف اجناسهم وانتماءاتهم وطوائفهم وعرقياتهم، هذا هو الحل الذي يقول به العقلاء وهذا الحل الذي لجأت اليه الدول المحترمة، هل تعلم ان الدول لم تصل الى مفهوم الدولة الوطنية الا بعد ان خاضت حروبا فيما بينها، هذه المانيا لم تتوحد الا بعد صراع دام قرونا وكذلك سويسرا وبقية الدول، نحن نريد ان نعود الى ما قبل عهد هؤلاء، هم تركوا هذه الحالة لأنها مسلك التشظي والدمار والقتل وانتقلوا الى حالة دولة المواطنة كحالة متقدمة ونأت، الان نحن نعود الى تلك العهود كي تجعلنا اثرا بعد عين، اسمح لي ان اذكر لك قصة محترمة، انا ذهبت الى اوربا في عام 2009 للتعريف بحالة وقضية العراق الذي يتجاهلها الاوربيون للأسف الشديد، في جنيف قال لي احد الفضلاء استطعت ان أهيء لك اربع دقائق فقط في برنامج في التلفزيون السويسري يتابعه الملايين وقلت له اربع دقائق ماذا افعل بها؟ قال بالعكس هذا مكسب كبير، قلت كيف سيفهمني الناس؟ قال انا مترجم معك، ذهبت دقيقتان للترجمة وبقيت دقيقتان، فماذا سأتكلم عن القضية العراقية في دقيقتين؟، دخلت الى البرنامج وكان بثه مباشرا، فقال المحاور وهو يخاطب الناس نرحب اليوم بأحد علماء السنة في العراق، فقلت له على الفور كان أطيب على لقلبي لو قلت ارحب بأحد علماء العراق، قال لي وكان ذكيا لكن هذا واقعكم، فلماذا تتنكر له؟  انتم سنة وشيعة، قلت له انا اعرف ان سويسرا فيها اربع أصول مختلفة وفيها فرنسيون والمان وانكليز وغير ذلك؛ فحينما تعرّفون سويسريا هل تعرّفونه بأصوله الالمانية ام تقولون السويسري فلان؟، بماذا اجاب، قال نقول السويسري، ان وقتا طويلا استغرق منا حتى وصلنا الى هذه الحالة، قلت له نحن لن نحتاج الى هذا الوقت لأننا متعارفون ومتعايشون منذ الاف السنين، هؤلاء لا يريدون ان يذكرون الماضي الطائفي والعرقي الذي كان يقتتل فيه الناس، طائفة تقتل طائفة وعرق يقتل عرق، وهم فرحون لانهم استطاعوا تأسيس دولة المواطنة نأت الان، نحن نعود الى ما قبل التاريخ ونبرز زعامات طائفية وعشائرية وقبلية وعرقية ونحكم على أبناءنا بالإعدام هذه هي المصيبة.

*الرافدين: في هذه الجزئية التاريخية بما يتعلق بالهوية الوطنية، هناك من يذهب الى ان العراق قبل تأسيس الدولة الحديثة في عام 1921 لم يكن يعرف شكل الهوية الجامعة للوطن، وما جرى بعد 1921 كان محاولة لصناعة هوية وطنية قسرية؟
// الفيضي: مع احترامي لاصحاب الكلام فهو اما انه يجهل بالتاريخ، واما انه مغرض يريد ان يصيب الناس بالاحباط حتى يرضوا بواقع التقسيم، لو سألت الباحثين والمؤرخين في العالم ماهي افضل حضارة مرت في تاريخ البشرية؟ سيقولون لك انها حضارة بلاد النهرين ويعنون بهما دجلة والفرات، فعلى هاتين الضفتين قامت كبريات الدول التي علّمت البشرية آشور وبابل والسومرية وأور ونينوى وغيرها من هذه الحضارة بدأت الكتابة باللغة المسمارية ونقشت الملاحم على الاحجار الطينية وعرّفت المسائل الاولى للهندسة وتميزت بفن النحت والعمران وإنشاء السدود على الانهار وكانت تمتلك التخوم العسكرية التي وصلت الى حدود الصين شرقا ومصر غربا، ولكن لو سألت هؤلاء المؤرخين عن طبيعة هذه الحضارة وهذا الكلام ذكره المؤرخون الغربيون على حد سواء منهم المؤرخ الكبير (احمد سوسة) الذي يقول ان حضارة ما بين النهرين امتدت لثلاثة الاف سنة وكانت حضارة واحدة غير متجزئة رغم تغير انظمة الحكم وانتقالها من سلطة الى سلطة ومن مدينة الى مدينة، فتارة حكم هذه المنطقة السومريون نسبة الى سومر وتارة البابليون نسبة الى بابل والأكديون نسبة الى اكاد والاشوريون نسبة الى اشور، وهكذا يقول المؤرخون، ورغم ذلك فالشعب بقي نفسه والحضارة نفسها التي خرجت من هذا الشعب، هذا الكلام قد يصدق على حضارات اخرى في العالم، لكن لا يصدق ابدا على حضارة وادي الرافدين، لانها على مدار ثلاثة الاف سنة لم تشهد تجزئة ولم تشهد انقساما رغم تعدد القوميات والعرقيات والاديان، ولهذا ابدعت وعلمت العالم، وهناك قضية اخرى احب ان اشير اليها: هي ان الله عز وجل قسم بين البشر الذكاء، (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) فأعطى للصيني ما لم يعط للأمريكي وللأبيض ما لم يعط للأسود وللعربي ما لم يعط للاعجمي وهكذا ؛ ولهذا فان العقول عندما تجتمع في مكان واحد وتعمل لهدف واحد تبدع ، امريكا ما الذي اوصلها الى القمة اذا كان العراق فيه خمس قوميات فامريكا اكثر من 100 قومية فيها صينيون واعاجم وعرب وو... لكنهم متفقون على العمل لمصلحة امريكا وانظر اين اصبحت امريكا، وهكذا العراق سر ابداعه على مر التاريخ انه كان يمتلك قوميات متعددة عرب اكراد مسيح ومسلمين، كانت كلها تعمل تحت مظلة واحدة فأبدعت ، فخرجت منها العجلة والهندسة واللغة، والعالم الغربي يعرف هذا فما جاؤوا لاسقاط النظام، بل جاؤوا ليفتّتوا الوطن ويريدون شرذمته حتى ينتزعوا سر ابداعه واسمح لي ان اقول، ان هناك صديق عسكري يعمل في التصنيع يقول حققوا معي الامريكيون بعد الاحتلال، يقول له الجنرال الامريكي: ايها العراقيون نحن محتارون بكم، فهذه الارض التي انتم عليها تنتج اذكياء وكأن فيها قوة ممغنطة قتلناكم شرّدناكم ولازلتم اذكياء حتى من يأتي من الخارج ويعيش بينكم يصير ذكيا، هذا هو السر يريدون تفتيت هذا البلد وانتزاع القوة منه، وللأسف كل من يعدوا في ركب التقسيم لا يعدوا ان يكون اداة بيد هؤلاء الظلمة.

*الرافدين: لو اتفقنا على ما تقول من وجود هوية جامعة للعراق تاريخا وحاضرا، فما هي سمات هذه الهوية في الوقت الراهن؟
// الفيضي: يكفي العراقيون رغم الظلم والقسوة التي يعيشونها من النادر ان تسمع عراقيا يطالب بالتقسيم، فأهلنا بالجنوب مثلهم مثل العراقيين جميعا تعرضوا الى الفقر والجوع  والابتزاز والخلل في الامن، يموتون مثل اخوانهم عندما حقت الحقيقة، فعندما اراد (وائل عبد اللطيف) فصل البصرة وارادت منه الامم المتحدة تصويتا وقالوا له تحتاج الى عشرة بالمائة من الاصوات يقبلون بالمشروع، كانت النتيجة ان 2 بالمائة فقط قبلوا بالمشروع، فهذه جينات العراقية جينات الاجداد والاباء عندما تطرق مسألة التقسيم يرتجف بدنه، واهلنا في الوسط والشمال رغم ضغوطات الاحزاب وللأسف عناوينها اسلامية تنفق الاموال وتشتري الذمم، فحينما حددوا يوما للفدرالية يوم 27 تفاجأوا بوجود لافتات على الخيم تخاصم دعاة التقسيم والفدرالية، هذه المعالم العراقية سواء كان شيعي ام سني عربي او كردي او مسيحي او مسلم، كلهم في جيناتهم حنانة ترفض التقسيم وتجزئة الوطن، فهذه واحدة تكفي على بيان الهوية الوطنية .

*الرافدين: لماذا الخوف من اظهار الهويات الفرعة للمجتمع العراقي اذا كانت الهوية الكبرى موجودة وراسخة، خصوصا في ظل سلطة تحاول طمس الهوية الفرعية؟ 
// الفيضي: اولا الى الهوية الفرعية، نحن خلقنا الله امما وشعوبا فكل شخص لديه انتماء خاص سواء الى العشيرة او القبيلة او اللغة او العرق واثبتت التجربة الوطنية انها الانجح في احتواء كل هذه الهويات وانها لا تتضاد معها، فالعربي والكردي يقبل احدهما الاخر ان يشتركا في العيش ما داما تحت الهوية العراقية وكذلك السني والشيعي، وهذا ليس فقط في العراق، ففي مصر وسوريا كذلك هذه التجربة التاريخية التي عشناها خلال العقود التي مضت، فحينما نأت على هدم الهوية الوطنية ستبرز الهويات الفرعية وتكون هويات رئيسية، لماذا نعيش اليوم المأساة، الامريكان ضربوا الهوية الوطنية فبرز شخص مثل المالكي يريد ان يهيمن الهوية الطائفية على البلاد  وغدا اذا جاء شخص مثله كرديا سيحاول ان يفرض الهوية الكرديةن وهكذا دواليك سندخل في ازمة وسلسلة من الصراعات لا تنتهي، فهناك خطورة كبيرة جدا اذا غابت الهوية الوطنية، فبالهوية الوطنية التي ثبت عند العالم كله انها التي يقبل بها كل الاجناس في المجتمع الواحد ونجحت في بناء دول وتأسيسها على مبادئ صحيحة وبناء امنها وسياساتها واقتصادها، كل ذلك بفضل الهوية الوطنية، ولذلك قلنا في بداية الحلقة ان الهوية تجربة انسانية رائدة ؛ لذلك هناك خطورة كبيرة اذا تنازلنا عن الهوية الوطنية فسنعود الى مجتمع الغاب الذي يسود فيه القوي على الضعيف، المواطنة هي: ان كل من يعيش على ارض هذا الوطن متساوون في الحقوق والواجبات لا يميزهم لا طائفة ولا لغة ولا عرقن هذا المفهوم يشعر به كل الناس لانه يشعر انه متساو مع اخيه،  لكن بضرب هذه الهوية ستظهر الانانية والاثرة وكل من يريد ان يحصر الثروات لنفسه والامتيازات والسلطة وسندخل في دوامة كما نحن الان عشر سنوات شعب يقتل العراقيون كل يوم .. عشر سنوات تنهب ثروات هذا البلد من ابنائه واجياله .. (500) مليار تبخرت بالهواء لان الهوية الوطنية غائبة فأي عاقل يريد ان يدفعنا الى  مزيد من التشرذم والطائفية والعرقية!!، يجب ان نتدارك انفسنا بقوة ونطيح بهذا الواقع المأساوي وان نعيد الى واقعنا الوحدة الوطنية.

*الرافدين: هناك من يقول ان الانتماء للوطن اصبح مهددا للانتماء الى الدين والعقيدة، فهل صحيح ان هناك تعارض خصوصا اذا كان التعدي من سلطة ذات نفس طائفي قومي؟
// الفيضي: هذا ليس صحيحا بالمرة، فالشرع اختار للناس الطريقة التي يعيشون بها  وحيثيات الوطنية لديها مؤشرات ودلالات في القرآن والسنة، ولا اريد ان اسرد الادلة لضيق الوقت لكن اختصر ما جاء في القرآن على لسان قوم موسى، القتال لأجل الوطن واعتبره القرآن قتالا في سبيل الله تعالى، قال تعالى: ((وما لنا ألّا نقاتل في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا)) فإذن الاخراج من الديار والعودة لأجل الديار قتال في سبيل الله تعالى، وقال ((فلما كتب عليهم القتال تولوا الا قليلا منهم والله عليم بالظالمين )) ثم من يتنكب عن القتال من اجل الوطن ظالم، فهل نريد اكثر من هذا؟  النبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة هذه طيبة ومرة وقف على جبل أُحد وقال (هذا يحبنا ونحبه اللهم ان ابراهيم حرم مكة وانا احرم ما بين نبت المدينة) يقول ابن حجر: هذه اشارة الى حب الوطن والحنين اليه، واقول لا نخاف على الطائفة الان، (عباس الصفوي) عندما غزا بغداد ماذا فعل؟ قتل السنة وقتل علمائهم ونقض دواوين الدولة  وقتل العسكر واخذ اموال السنة ونسائهم وسباهم وهدم المساجد وفعل تماما كما فعل المالكي ومن معه اليوم، هل انقرض السنة من العراق بل عادوا بقوة .. بل يذكر المؤرخون ان كثيرا من الشيعة تركوا التشيع كرد فعل على ايران التي اوهمتهم انها مع التشيع وكانت تُجرم بحقه، والتاريخ يعيد نفسه، لن تقود هذه الحرب الضروس من قبل المالكي واذنابه الى انهاء هذه الطائفة، بل بالعكس ستعزز من وجودها، لكن لا يجب ان نتصرف كطائفة بل يجب ان نتصرف كأمة ودائما كان السنة عبر التاريخ يستوعبون الصدمات ويتحملون الازمات من اجل الحفاظ على البلدان، وكانوا امناء على البلدان واجرى الله على ايديهم خيرا كثيرا، لماذا يريد بعض السنة البوم ان يقزّموا السنة من امة يجعلهم طائفة ويجعلهم يتصرفون رد الفعل فقط  شيطانيا وليس رحمانيا،  فبدل ان انصرف الى تعزيز هوية الطائفة انصرف الى تعزيز الهوية الوطنية واكسب الشيعي والمسيحي والكردي وغيرهم، هكذا عشنا .. وهكذا ينبغي ان نعيش حتى تنتهي الدنيا .. وهكذا يريد الاسلام، انظر ماذا فعل النبي عندما قدم المدينة جعل وثيقة المدينة وفيها عامل النصارى واليهود مثل المسلمين، لهم ما علينا وعليهم ما علينا تحفظ كنائسهم، هذا هو الاسلام وهذا هو المنطق الذي ينبغي ان يحتكم اليه الناس وحفظ البلاد والعباد لا الانتحار التاريخي الى المجهول.

   الهيئة نت    
ح

أضف تعليق