أكد الدكتور (مثنى حارث الضاري) مسؤول قسم الثقافة والاعلام في هيئة علماء المسلمين ان شعب العراق مؤلف من مكونات عديدة ارتضت أن تعيش فيما بينها على مدى قرون وفق ثوابت وأسس تشكل هوية تم
التعارف عليها الآن بالهوية الوطنية، وعندما تتعارض الهوية الفرعية الجزئية مع الهوية الكلية؛ يكون هناك خطر على النسيج الاجتماعي في هذا البلد إذا ما تمت المطالبة بهوية فرعية (سنية).
واوضح الدكتور مثنى في حوار اجرته معه قناة الرافدين الفضائية ضمن برامجها (تحت الضوء) ان كل هوية تنزع إلى تحقيق أهداف معينة، وتسلك في سبيل ذلك غايات وتستند الى قضايا كثيرة، بينها الدين والتاريخ والإرث الحضاري، وهذه الأمور ـ التي يعتز بها أهل السنة والجماعة في العراق ـ متوفرة في الهوية الكلية الجامعة للعراق، البلد المسلم العربي الذي يسعى ابناؤه الوطنيون الشرفاء إلى المحافظة على سيادته وتحريره من آثار الاحتلال الغاشم.
ولفت الانتباه الى ان هناك محاولات لإبعاد جزء من الهوية الوطنية، والانتقاص من الأبعاد الإسلامية الصافية والواضحة والصحيحة من جهات سياسية تدّعي أنها تمثل مكون معين .. مشددا على ان (الهوية السنية) تعززت تعزيزا كبيرا بعد الاحتلال مباشرة؛ وذلك لأن من أساسيات هذه الهوية أن تقوم هذه المجموعة البشرية بالعمل على جمعها وتوحيد مواقفها، من الاحتلال ورفضه ومقاومته، ما أعطى القضية السنية بعدا آخر جلاها أكثر فأكثر.
واشار الدكتور الضاري الى إن هناك اضطهادا وظلما كبيرا ومحاولات للاستئصال وتغييب التاريخ وتحريفه بشكل كامل، ولكن الدعوة إلى الانحسار وتكوين (هوية سنية) جديدة كرد فعل على تلك الافعال خطأ؛ لان واقع الحال يقول: إن كل المقومات الأساسية للهوية باقية وإن الأصل هو بقاء هذه الهوية الوطنية الجامعة بكل هذه الأبعاد، الا ان الوضع يقتضي مجابهة هذه الضغوط الكبيرة وعمليات الاستئصال التي تجري سواء كانت على التاريخ أو على الحضارة أو على الأشخاص أو ما إلى ذلك .. معربا عن اعتقاده بان الدعوة الى الحراك الشعبي الذي انطلق قبل عشرة أشهر، مفهومة من حيث دوافع الأشخاص الذين يسعون إليها ودوافع عامة الناس الذين يسعون إلى حماية أنفسهم، والتكتل في وجه التحديات التي تواجههم؛ ولكن يمكن حماية النفس بكل الوسائل الممكنة بدون الدعوة إلى (هوية) قد تكون فرعية تتعارض مع الهوية الكلية.
واوضح ان موضوع الدعوة إلى (هوية سنية) الآن هي دعوة ذات أهداف سياسية وليست دعوة علمية بحتة تنطلق من واقع حقيقي، والدليل على ذلك ان أهل السنة والجماعة في العراق هم عماد الدولة الوطنية التي نشأت بعد الاحتلال البريطاني، وقامت على ظهرهم، لانهم العمود الاساسي في هذا الوطن، الذي بُني على اكتافهم، وان الثوابت العامة لهذا الوطن قامت بناء على التوجهات الفكرية والعقدية التي يؤمنون بها .. معربا عن اسفه الشديد لظهور تيار من (أهل السنة والجماعة) جعل الهوية التي ينادي بها أكبر حجماً من الهوية الجامعة، في محاولات لصنع نخبة سياسية طائفية داخل صف (أهل السنة والجماعة)، وبذلك منح الأطراف الأخرى مبرراً للتذرع بأن جميع الأطراف لديها جناح طائفي متشدد.
وبشأن مخاطر تشكيل حراك سياسي من ساحات الاعتصام، قال مسؤول الثقافة والاعلام في الهيئة: إن الإعلان عن تيار الحراك الشعبي المطروح منذ اشهر، معناه الإعلان عن حزب، والإعلان عن حزب في هذه المرحلة الممهدة للانتخابات التي ستجرى بعد أشهر؛ يعني الدخول في إطار عملية سياسية، وهذا الأمر بحد ذاته هو ضحك على الذقون .. متسائلا: هل أخذ هؤلاء رأي العراقيين الذين احتشدوا في الساحات ويواصلون الاعتصام في حر الصيف وبرد الشتاء للمطالبة بحقوقهم المشروعة؟ وهل ارتضاهم الناس وقبلوا بهم؟ وهل تغيرت محددات العملية السياسية الحالية وضوابطها؟ وهل تغيرت السياسة الطائفية والعرقية؟ وهل تم تعديل الدستور بناءً على المطالبات؟ وهل توقفت هيمنة السلطة المركزية واضطهادها؟ وهل توقفت احكام الإعدامات الجائرة؟ وهل أطلق سراح المعتقلين في السجون الحكومية؟ وهل توقف اغتصاب النساء في تلك السجون؟.
وفي ما يأتي نص الحوار:
*الرافدين: في ضوء ما يتعرض له العراق وما تعرض له أهل العراق في العقد الماضي من قتل وتشريد وتغييب وحملات إعدام حكومية متواصلة، برز من يتحدث عن ضرورة بلورة أو الذهاب إلى هوية سنية بعيدا عن فضاء الهوية الوطنية الجامعة، وكأن هناك تصادما بين الهوية الواسعة وهذه الهوية الفرعية كمرحلة ممهدة لخطوة أو مرحلة أخيرة وهي الانفصال أو الإقليم، فما هي خلفية هذه الدعوة ودوافعها، وأين انتهى المطاف بدعُاتها أو المطالبين بها؟
// د. مثنى: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه الدعوة يمكن النظر إليها من عدة زوايا فمن زاوية سعي كل انسان أو مجموعة - بغض النظر عن خلفية هذه المجموعة المذهبية أو الدينية أو العرقية - إلى تكوين هوية تحفظ تاريخ وحضارة مجموعة من البشر، أمر محمود ومقبول وهو غرض طبعي في نفس الانسان لا يستطيع الانسان الانفكاك منه، فإذن من هذه الناحية والناحية الأصلية الأمر طبيعي جدا؛ لكن طرح هذه المشكلة في هذه الأوقات في العراق يقترن بعدة أمور قد تؤثر على مصداقيتها: من ناحية الزمن في هذا التوقيت وفي ظل هذا الحراك الشعبي الواسع، وأيضا بعد عشر سنوات من الاحتلال، وبعد مرحلة مجيدة من تاريخ المقاومة في العراق، ان الاعتراض عليها ليس على المطالب، فكل إنسان يسعى إلى أن تكون له هوية تميزه عن الآخرين، وتحفظ له المعالم البارزة في تأريخه وحضارته؛ ولكن هناك ملاحظات:
الملاحظة الأولى: عندما تتعارض الهوية الفرعية مع هوية أخرى كلية أو أصلية لا تتعارض مع تطلعات مكونات كل مكون داخل البلد، ولا سيما عندما نكون في أوطان وفق التعبير السياسي والقانوني الحديث ـ فنحن نتكلم عن العراق كشعب، العراق كجزء من أمة وليس أمة واحدة حتى تكون لها هوية متميزة عن باقي الأمم ـ ؛ فإنه من هنا تأتي الاعتراضات على مصطلح أمة عندما يطلق ويراد منه أن يعمم على مجموعة من شعب أو على شعب وإن كان كبيراً، فنحن أمة عربية، أمة مسلمة نعيش في هذا العالم الكبير؛ ولكننا في العراق شعب مكون من مكونات عديدة ارتضت أن تعيش فيما بينها على مدى قرون وفق ثوابت وأسس تشكل هوية تم التعارف عليها الآن بالهوية الوطنية، إذن عندما تتعارض الهوية الفرعية الجزئية مع الهوية الكلية؛ تكون هناك ملاحظة ويكون هناك خطر على هذا النسيج الاجتماعي في البلد إذا ما جئنا إلى المطالبة بهوية فرعية (سنية).
*الرافدين: الدعوة إلى تبني أو بلورة هوية فرعية سنية هل تصادمت هذه الهوية الفرعية مع الهوية الوطنية الجامعة، هل تعرضت للاضطهاد هل هذه الهوية الوطنية الجامعة كانت مزيحة لهذه الهوية الفرعية، ولذلك تصاعدت هذه الخشية من ذهاب الهوية السنية أو الفرعية، وأنه لا يتم التضحية بها لأنه هناك اضطهاد من الهوية الوطنية؟
// د. مثنى: أبدا، هنا المغالطة فلا تعارض أصلا بين ما يسمى الهوية السنية والهوية الوطنية؛ لأن كل هوية تنزع إلى تحقيق أهداف معينة، وتسلك في سبيل ذلك غايات وتتكيء إلى تاريخ وإرث حضاري، فإذا ما جئنا إلى الهوية السنية وسألنا ـ من باب التنزل ـ ما هي الأسس العامة التي يمكن أن تؤسس عليها الهوية، سنجد الدين، بتفرعاته وسيأتي أيضا المذهب، ثم التاريخ، ثم الإرث الحضاري، ثم قضايا كثيرة. وإذا ما جئنا إلى الهوية السنية نجد أن كل هذه الأمور التي يعتز بها (أهل السنة والجماعة) في العراق متوفرة في الهوية الكلية الجامعة للعراق، فالعراق بلد مسلم وبلد عربي، وبلد واحد، ونسعى إلى المحافظة على سيادته وتخليصه من كل آثار الاحتلال. وإذا تحققت كل هذه الأمور فستتحقق بالضرورة أهداف الهوية (السنية)، إذن لا تعارض أصلي بين الهوية السنية والهوية الوطنية العراقية، واذا حصل تعارض ما؛ فالتعارض ليس من المكون السني؛ وإنما حصل التعارض من خلال سعي بعض القيادات السياسية في المكونات العراقية الأخرى لإبراز هويات أخرى، على سبيل المثال: الانتقاص من الهوية العربية وعدم إبرازها وتضمين عبارة في (الدستور) بأن العرب في العراق جزء من الأمة العربية وليس العراق جزء من الأمة العربية.
إذن هناك محاولة لإبعاد جزء من الهوية الوطنية، وأيضا هناك محاولة للانتقاص من الأبعاد الإسلامية الصافية والواضحة والصحيحة من جهات سياسية تدعي أنها تمثل مكون معين، فإذن لا تعارض أصلا لما يدعو إليه أهل (السنة والجماعة) كهوية وبين الهوية الوطنية هذا أولا. وثانياً: الهوية إذا اصطلحنا على ذلك من باب التنزل وقلنا: (الهوية السنية) فإن هذه الهوية قد تعززت تعززا كبيرا بعد الاحتلال مباشرة؛ وذلك لأن من أساسيات الهوية فضلاً عما تقدم ذكره؛ أن تقوم هذه المجموعة البشرية بعمل ما يثبت بأنها جديرة بشيء أولاً، ويصبح هذا العمل عاملا على جمعها وتوحيد مواقفها، ومن هنا كان هناك بعد آخر في (الهوية السنية) في العراق هو الموقف الموحد من الاحتلال ورفضه ومقاومته، وهذا أعطى القضية السنية بعدا آخر جلاها أكثر فأكثر.
*الرافدين: قضية التعارض وعدم التعارض، التناغم بين الهوية الفرعية سواء كانت مذهبية أو عرقية أو وطنية كان صحيحا قبل عام 2003 ، كانت هناك هوية وطنية جامعة يعني ربما هذه الهويات في إطار الهوية الجامعة لا يقال إنها ملغاة لكن بعد عام 2003 الأمر تغير تماما، هناك من يعتقد أن هويته السنية أصبحت محل اضطهاد، محل استهداف، هناك عملية إلغاء للهوية ولأصحاب الهوية كبشر كشعب كمدن كجغرافيا.
// د. مثنى: وهذا ما نقوله: لا اعتراض على هذه الجزئية، نقول: إن هناك اضطهادا، وإن هناك قدراً كبيراً من الظلم ومحاولات للاستئصال وتغييب التاريخ وتحريفه بشكل كامل، بل استهداف العنصر البشري بحد ذاته. كل هذا لا يمكن أن ينكره أحد، ولكن أقول: إن الدعوة إلى الانحسار والدعوة لتكوين (هوية سنية) جديدة كرد فعل على هذا الفعل هذا هو الخطأ؛ فواقع الحال يقول: إن كل المقومات الأساسية للهوية باقية وإن الأصل بقاء هذه الهوية الوطنية الجامعة بكل هذه الأبعاد، ولكن الوضع يقتضي مجابهة هذه الضغوط الكبيرة وعمليات الاستئصال التي تجري على وفق التفاصيل التي ذكرتها، سواء أكانت على التاريخ أو على الحضارة أو على الأشخاص أو ما إلى ذلك. المجابهة بكل وسيلة مناسبة لها وقد جوبهت فعلاً؛ فقد ثبت(أهل السنة) في وجهها وحافظوا عليها وقاوموا كل التحديات.
وهنا أرجع إلى التاريخ وأقول: لماذا تأتي هذه الدعوة في هذا التاريخ بالتحديد عندما أحس (أهل السنة) بقوتهم وبكثرتهم وبسعة انتشارهم وبقدرتهم بفضل الحراك الشعبي الذي انطلق منذ عشرة أشهر، كل هذه العوامل كانت معززة لما تقدم، ومن هنا فأنا اعتقد أن هذه الدعوة مفهومة من حيث دوافع الأشخاص الذين يسعون إليها ومن حيث دوافع عامة الناس الذين يسعون إلى حماية أنفسهم، والتكتل في وجه التحديات التي تواجههم؛ ولكن نحن نتحدث عن الموضوع من الجانب النظري والفكري ونقول: يمكن حماية النفس بكل الوسائل الممكنة بدون الدعوة إلى (هوية) قد تكون هوية فرعية تتعارض مع هوية كلية، والدليل على ذلك أن هذه الدعوة انطلقت منذ عام 2004 وكلنا يذكر في ذلك الوقت تلك الدعوات، وما سمي في ذلك الوقت بـ(مؤتمر أهل السنة والجماعة) ثم لما عرف القائمون على هذه الأسماء وغيرها بأن هذا الأمر قد يؤثر على وحدة الكلمة في ذلك الوقت؛ تركوا هذه المسميات واتخذوا أسماء أكبر مثل (أهل العراق) وما إلى ذلك.
واستمرت الحال حتى بعد الأزمة الطائفية الكبيرة بين عامي 2006 و2007 التي كان يمكن أن تكون الدعوة إلى (الهوية السنية) في أوجها في هذين العامين أثناء الفتنة الطائفية الكبيرة، ولكن حتى في ذلك الحين لم تحدث.. ترى لمَ؟؛ لأنه كان هناك عامل أساسي يعطي اعتزازاً للسني ألا وهو عامل المقاومة، ولكن بعد عامي2007 و 2008 والمؤامرة الكبيرة على المقاومة واستمرارا إلى هذه اللحظة لم يطرق الموضوع إلا قبل سنتين، ثم تجدد هذه السنة وخلال الأسابيع المتأخرة، ترى لمَ؟؛ لأن هناك محاولة لجر (أهل السنة) إلى موضوع جزئي وفرعي بحجة المحافظة على الهوية، ولا تعارض متصور بين أن يحتفظ (السني) بهويته الجامعة وأن يحتفظ بهويته الوطنية وأن يدافع عن نفسه، إزاء كل هذه التحديات التي تواجهه، أما الهروب من مواجهة هذه الصعاب إلى أمر آخر فهذا هو المستغرب وهذا هو الذي يثير علامات الاستفهام.
*الرافدين: من يدعو إلى إبراز هذه الهوية وبلورتها، هو يخشى على هذا المكون من أن يضيع وتضيع هويته لصالح هوية مذهبية تحملها السلطة، والخوف لو كان هذا الاستهداف لصالح هوية وطنية جامعة كما كان ربما ليس هناك من خوف وخشية لكن هناك سلطة مذهبية ترفع لافتة المذهبية، وتريد استئصال الآخرين وتغليب هذه الهوية المذهبية، لذلك أصحاب هذه الدعوة هم الآن مستنفرون خائفون في حالة التصدي ولو كان الأمر في صالح هوية وطنية لما كان هناك من خوف.
// د. مثنى: بالضبط وأنا كما قلت قبل قليل أفهم هذا الأمر تماما وأعي دعوات الكثير منهم، أنا أركز على بعض الدعوات التي عليها علامات استفهام، التي تريد أن تستغل هذا الخوف المجتمعي عند (أهل السنة والجماعة) من موضوع التحدي الذي يريد أن يذهب بكثير من القضايا التي يؤمنون بها بواسطة فرض آراء وأفكار ومعتقدات أخرى، أنا فقط أركز على الأفكار السياسية التي تحاول تسييس هذا الموضوع، وإلا فإن على (أهل السنة والجماعة) أن يخشوا على أنفسهم، وعليهم أن يجتمعوا ليبحثوا عن السبل التي يمكن أن تنجيهم مما يتعرضون له، هذا أمر لا شك فيه ولا مجال للنقاش فيه، ولكن هنا نقطة فلنسميها (إجرائية) هناك نوع من التدليس في هذه الجزئية، نعم كل ما ذكرته صحيح هناك محاولة من السلطة في العراق وهي تتميز بأنها سلطة دكتاتورية حتى وإن ادّعت الديمقراطية وأنها جاءت بطريقة ديمقراطية؛ فهي سلطة دكتاتورية؛ لأن أقلية سياسية تتحكم بمقدرات البلد، وفي العلوم السياسية والقانونية يقولون: حتى لو كانت الحكومة ديمقراطية فإنها ستكون حكومة أقلية إذا تسلط عليها مجلس النواب، فما بالك إذا تسلط حزب واحد وحزب طائفي ومذهبي في مجلس النواب على الحكم، وأصبح دكتاتورا يحكم البلاد بحجة الديمقراطية؟!.
إذن الخوف على البلد كله، وكذلك الخوف على (أهل السنة والجماعة)؛ إذ إن هناك محاولات لتغييب الهوية ولتغييب الذاكرة ولتغييب التاريخ وتشويهه وما شهدناه قبل أيام في الاعظمية من هجوم علني وسب للصحابة الكرام (رضي الله عنهم) وسيدنا عمر الفاروق (رضي الله عنه) وأم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) هو دليل من الأدلة على ما تقدم، ومحاولة لجس النبض ومعرفة ردة فعل (أهل السنة والجماعة)، ولما كانت ردة الفعل كبيرة وصريحة وواضحة؛ انحسر هذا المد إلى حين، ولكنهم سيجربون في محاولات مرة أخرى وهذا دليل آخر على أن الهوية موجودة، والدليل هي ردة الفعل الكبيرة التي قام بها (أهل السنة)، فإذن لمَ الخوف من هذه الجزئية؟ ما يجري في العراق الآن هي مرحلة عابرة، نعم هناك تضحيات، هناك دماء، هناك انتهاك أعراض، هناك إعدامات تعسفية، هناك تشويه للتاريخ، هناك تجاوز على أعلام الأمة كالصحابة رضي الله عنهم، ولكن هذه المرحلة متوقعة؛ لأن هناك حكومة طائفية قلنا عنها ذلك منذ عام 2003: إنها حكومة طائفية وضعت خططا وبرامج لتنفيذها مرحلة بعد مرحلة؛ والدليل على ذلك موضوع التجاوز على رموز الأمة ولعنهم (حاشاهم جميعا) منذ أول يوم للاحتلال، وهو موضوع يدور في دوائر معروفة ومعينة وله حوادث سابقة، والسياسيون من أهل السنة والجماعة يعلمون بهذه الأمور ويحاولون تغطيتها طيلة السنين الماضية؛ لأنهم مشاركون في هذا الحكم ويعملون بكل ما استطاعوا على استمراره ولا يريدون أي شيء يعكر عليهم ذلك، ودليل ذلك مسألة استهداف سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) قبل سنتين من أحد قيادات تيار سياسي معروف؛ فقد قامت الدنيا ولم تقعد خلال ساعات وأيام، ثم قعدت بل نامت بعد ذلك، بل نجد أن القوى السياسية الأساسية في المحيط السني التي قامت في ذلك الوقت بتأليب الشارع في هذه الجزئية تعود لتتحد سياسيا مع هذا التيار في الانتخابات الأخيرة في محافظتي (بغداد وديالى) وتعمل معه سياسيا وكأن شيئا أو أمراً لم يحدث!!.
وهذا ما يتبلور الآن ويحصل بعد أن تم التعدي على الصحابة الكرام (رضوان الله عليهم) ففي الجمعة الماضية التي كانت جمعة عمر الفاروق (رضي الله) عنه لم تنقض ثلاثة أيام بعدها إلا ويعلن بعضهم عن (تيار الحراك الشعبي) وهو حزب سياسي يسعى للدخول في العملية السياسية، فهل هذا لا يولد تناقضا؟ قبل أيام كنا نتكلم عن حكومة طائفية لا يمكن التعامل معها ثم بعد ذلك يعلن عن حزب سياسي يدخل العملية السياسية!!. نعم هم لم يعلنوا لكن كل المعطيات تقول بدخولهم العملية السياسية، إذن هناك تناقض وتلاعب من بعض الفئات السياسية بعواطف (أهل السنة).
*الرافدين: على ذكر الطائفية، هذه الحكومة وهذه الأحزاب متهمة بالطائفية؛ لأنها ترفع لافتات طائفية وتنتهج نهجا طائفيا، السنة أيضا حينما يذهبون إلى قضية إعلاء الهوية، هوية أهل السنة أو بلورتها، طبعا تحت ضغط هذه اللحظة التأريخية، هناك أيضا من يتهمهم بأنهم بدأوا ينتهجون نهجا طائفيا، وهذا لا يليق باعتبار أن الدولة العراقية الحديثة كانوا هم الركن الركين فيها وهم الحاضنة الأكبر، وبالتالي انزووا أيضا إلى ممارسات طائفية.
// د. مثنى: بالضبط وهذه هي الملاحظة الأخرى، وهذا هو تحذيرنا من أن موضوع الدعوة إلى (هوية سنية) الآن؛ هي دعوة ذات أهداف سياسية وليست دعوة علمية بحتة تنطلق من واقع حقيقي، والدليل على ذلك:
أولاً: أن أهل السنة والجماعة في العراق ـ بغض النظر عن الحديث عن أقليتهم أو كثرتهم ـ هم عماد الدولة التي تسمى بالدولة الوطنية التي نشأت بعد الاحتلال البريطاني، وعندما أقول: الدولة فلا أقصد العراق، فالعراق قديم من قبل الإسلام وهذه النقطة يخاتل بعضهم فيها ويدلس بأن العراق حديث تكوّن بعد (سايكس بيكو) وهذه مغالطة، فالعراق هو عراق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كما قال الجميع في الجمعة الماضية وتناسوا ما كانوا يقولون به قبل ذلك، نعم فهو قديم، أما الدولة الوطنية فقد قامت على ظهر كل العراقيين بعد الاحتلال البريطاني، ولكن العمود الأساسي ـ وكلنا يعلم ذلك وهذه حقيقة تاريخية نذكرها بكل صراحة ووضوح ـ قامت على ظهر (أهل السنة والجماعة). فإذن (أهل السنة والجماعة) بغض النظر عن الحديث عن عددهم ـ وهذه أيضاً قضية فيها مغالطات وليست موضوع حديثنا الآن ـ ؛ هم العمود الاساسي في هذا الوطن، وبني هذا الوطن على اكتافهم، والثوابت العامة لهذا الوطن المؤسسة لهويته قامت بناء على التوجهات الفكرية والعقدية التي يؤمنون بها؛ فلماذا التخلي عنها الآن؟!.
ثانياً: عندما نتكلم عن العراق يُخطيء بعضهم عندما يحصر مجال نظره في العراق، وفي الوقت نفسه نعترض على الدستور عندما يقول: العرب في العراق جزءٌ من الأمة العربية؛ ولكننا في التطبيق العملي للأسف نُخطيء عندما نطبق، وكأنما العراق في جزيرة معزول عن عالمه العربي!! العراق جزءٌ من الأمة العربية وجزءٌ من الأمة الإسلامية وهو جزءٌ من السواد الأعظم من المسلمين، فعلينا أن نجعل هذه النظرة في بالنا فنحن من السواد الأعظم من المسلمين، وعلى السواد الأعظم أن يتصرف تصرف الأغلبية لا تصرف الاقلية؛ لأن الأقليات هي التي تحاول أن تنزع إلى تشكيل هويات معينة في ظل الدول الكبيرة وفي ظل أمم تضطهدها، كما أن الاضطهاد في العراق اضطهاد مؤقت وعلى الرغم من كل المعاناة فهو زائل؛ فلذلك من الخطأ أن نسعى لأن نكون طائفيين في اللحظة التي يتخلى غيرنا فيها عن الطائفية، ولاسيما أن (أهل السنة) ليسوا طائفيين أبدًا، وحتى الشعارات التي رفعت ـ وأتحدث هنا عن البعد السياسي في التظاهرات عندما بدأت في شهر 12 من العام الماضي ـ كانت هناك هتافات معينة في الجمع الأولى والثانية والثالثة، ولكن بجهود الكثيرين انحسرت وأصبحت الجمع والشعارات عراقية بحتة، وفي مرحلة لاحقة جاءتنا دعوات دعوة الإقليم ودعوة الهوية، واذا بالخطاب العراقي الجامع يصادر في مقابل خطاب آخر برزت فيه كثرة التكرار وبعض الألفاظ غير المنضبطة التي تخرج من بعض الخطباء هنا وهناك أو السياسيين؛ ما ولد حالة أوصلت شعوراً للعراقيين الآخرين بأن هناك توجهاً طائفياً بدأ يحصل، وهنا استغلت الحكومة الموقف لإثارة الموضوع طائفياً من أجل أن تحمي نفسها، فمتى ما أثير الموضوع طائفياً؛ فسيكون هناك فعل ورد فعل، وفي حينها فقط ستحمي الحكومة نفسها؛ لأنها تستطيع أن تؤلب اتباع المذهب حولها بحجة انكم مستهدفون سواء أنتم يا شيعة من الناحية المذهبية، أو أنتم يا أكراد من الناحية العرقية، وسيستفيد الطرفان الموجودان في الحكم من هذا الأمر في هذه اللحظة التاريخية، ونعطيهم هدية على طبق من ذهب لم نعطها لهم طيلة السنوات التسع الماضية.
وبناءً على ما تقدم فالتخوفات من الهوية الفرعية؛ ناشئة من الأعراض الجانبية والأبعاد التي تظهر من خلال دعوات بعضهم بناءً على تخيلات، وأقولها: بكل صراحة، أو توهمات لا سند لها لا سياسياً ولا قانونياً ولا تاريخياً، بل إن هناك بعض الدعوات مقصودة يطلقها أصحابها عن عمد وهم يعون تماما ويعرفون مؤدياتها إلى أين ستؤدي.
*الرافدين: هل هؤلاء توهموا هوية أو جعلوا الهوية التي ينادون بها أكبر حجماً من الهوية الجامعة؟
// د. مثنى: نعم هناك جهود كبيرة في هذا المجال، وللأسف ظهر تيار من (أهل السنة) والجماعة يؤمن بهذه القضية وإن كان هذا التيار نخبوياً وليس كبيراً؛ لأن الاصل في أي طرح أن يكون هناك استقبال، بل وقبول من قبل عامة الناس لأفكاره، وما نراه إلى الآن من ردود أفعال الجماهير في ساحات الاعتصام تجاه هذه الطروحات؛ لم يصل إلى مرحلة نستطيع أن نقول فيها: إنه أصبح رأياً عاما أو شبه عام، وهذه نقطة إيجابية، أما النقطة الايجابية الثانية؛ فهي أن موضوع الاعتزاز بالهوية ومراجعة التاريخ والتمسك بالثوابت والعودة إلى التراث الحضاري؛ هي شيء ايجابي، ولكن الشيء السلبي الذي يقوم به بعض السياسيين أو غيرهم والطريق التي ساروا فيها هي الطريق التي تريدها لهم الحكومة أن يسيروا فيها، بحيث وصلنا إلى مرحلة ان بعض الموجهين ينظرون إلى الأمر بطائفية كما تنظر إلينا الأطراف الأخرى بمنظار طائفي؛ ومن هنا سنشهد نوعاً من الاستقطاب الطائفي الذي سيؤدي بالبلاد في مرحلة قادمة ـ لا سامح الله ـ إلى مخاطر كبيرة جداً، وعليه فلابد أن نعمل بكل ما نستطيع من أجل أن لا تذهب البلاد إلى مثل هذا المذهب، ومعولنا في ذلك كثيراً على أن القضية سياسية في أصلها، نعم يتأثر الشعب والشارع والجماهير الملتفة حول الأحزاب الطائفية بالأبعاد الطائفية؛ ولكن هذا التأثر ليس صفة أصيلة في المجتمع، وإنما هي محاولات سياسية للضغط، فإذا هؤلاء القلة سواء أكانوا يقومون بما يقومون به عن قناعة أو عدمها أوعن دراية أو عدمها؛ قصارى ما سيصلون إليه هو أن يصنعوا نخبة سياسية طائفية في داخل صف (أهل السنة والجماعة) وليست نخبة ذات تميز ثقافي أو فكري، معطين بذلك مبرراً للأطراف الأخرى بأن جميع الأطراف لديها جناح طائفي متشدد.
*الرافدين: سيجد هؤلاء انهم متناغمون مع الشعب بسبب المآسي التي يمر بها المواطن على مدار اليوم.
// د. مثنى: نعم صحيح وهذا ملاحظ ومشاهد؛ لأن اللعب على الوتر العاطفي دائما يأتي بنتائج ما؛ ولكن المشكلة تكمن في أن القواعد تقول دائماً: إن هذه النتائج غير مستمرة؛ لأنها لا تقوم على أساس ثابت، ولا تحقق عدلاً، ولا تعطي فهماً صحيحاً، ولا استقراراً؛ وإنما يحدث شعور مؤقت ثم يزول عندما يطبق على أرض الواقع، وأضرب لك مثلاً؛ لأن هذه القضية ليست جديدة، ففي عامي 2006 و2007 انتشرت بعض الأفكار المشابهة في الساحة، وللأسف فإن بعض من يطلق الأفكار الآن هم أنفسهم من أطلقها في تلك المرحلة، وانضم إليهم آخرون، وكانت الفكرة في وقتها تقول: قد استطعنا كسر الاحتلال وكسرنا هيبة امريكا ولكن ما هي النتيجة؟ فإيران استطاعت أن تتوغل في العراق، فيجب أن نترك أمريكا ونسالمها ونتفق مع الأمريكان ونتفرغ لمحاربة الخطر الأكبر ألا وهو ايران، وتحت هذا المبرر انتشر هذا الأمر ووجد أرضية واسعة له ولاسيما في المناطق الغربية، حيث نشأت ظاهرة الصحوة التي قامت بأدوار كبيرة جدا لقمع المقاومة وإنهاء مشروعها، وكان المستفيد منها الأمريكان أولاً ثم الإيرانيون ثانياً، وسمحت هذه الحجة غير المبررة للقوات الحكومية والميليشيات أن تدخل مناطقنا بعد تجربة الصحوة، بينما كانت لا تجرؤ على هذا قبل ذلك، وقد لفظ الشارع السني موضوع الصحوة الآن وأصبحت عاراً، وعندما نتكلم عن الصحوة الجديدة الآن فإن كل (أهل السنة والجماعة) يقفون منها موقفاً مضاداً، لماذا؟ لأنها تقوم بالدور الذي قامت به الصحوة القديمة وإن كانت بطريقة مختلفة، وهي جزءٌ من أدوات القمع الحكومي، فيا ترى هل نعيد تكرار التجارب؟ هل نستنسخها؟ هل يبقى أهل السنة هكذا كل سنة تطرق لهم قضية ويعيشون في جدل وخلاف حولها، وينسون قضيتهم الأساسية ثم يعودون بعد ذلك ويقولون: أخطأنا؟!. وهذه الانتخابات قادمة بعد أشهر ويبدو أن هناك أيضا تيارات سياسية تحاول أن توجد لنفسها موطيء قدم فيها.
وإذا ما عدنا إلى سياق حديثنا عن الهوية؛ فسنجد أن جميع من دعا إلى (الهوية السنية) لم يبين لنا ما هي الأسس التي تقوم عليها، فهم يتكلمون في الغالب بعاطفية عما يتعرض له (أهل السنة والجماعة) في العراق من اضطهاد سواء كان موجها نحو الأعراض والأرواح أو موجها تجاه الأفكار والمعتقدات، وكلما حدثت حادثة بهذا الصدد يذكرونها ويحاولون أن يقولوا: إن هذا دليل على ما ندعو إليه، وواقع الحال يقول: إنهم لم يبينوا أية أسس، بل إن موضوع الهوية عندهم مرتبط بما يسمى بالإقليم والفدرالية، وهذا تناقض كبير جداً؛ لأنهم عندما يدعون للإقليم فإنهم يطالبون بهذا الإقليم في إطار العراق الموحد، وأن هذا ليس تقسيما للعراق كما يقولون، فإذن كيف سننشيء إقليما سيبقى في إطار الدولة العراقية وتحت هيمنة السلطة الحاكمة التي نصفها جميعا ونتفق على أنها سلطة طائفية، ولا تريد الخير لنا جميعا، وهذا تناقض فكري. وأقول: إلى الآن لم تعرض أية أسس فكرية للهوية المُطالب بها، وأنا لا استغرب هذا؛ لأن أسس الهوية السنية معروفة وأسس الهوية الوطنية معروفة أيضاً ولا تناقض بينهما البتة، وإنما هناك ظلم وإرهاب وقتل وتعسف يعيشه (أهل السنة والجماعة) في ظل حكومة طائفية مهيمنة، ولكنه على الرغم من كل ذلك هو عرض زائل، وإن طال سنيناً فإنه سيزول وستعود الهوية العامة التي لا تتعارض مع الهوية الفرعية.
*الرافدين: هناك تبشير بحرب أهلية في العراق، المالكي ذكرها ومسعود بارزاني ايضا على ماذا يستندون ؟
// د. مثنى: هذا الحديث نسمعه من عام 2003 وكنا نسمعه من الاحتلال الامريكي والقوى التي جاءت معه والأحزاب التي ارتضت أن تعمل مع حكومات الاحتلال المتعاقبة، وكنا دائما نقول: إن العراق لن يتوجه إلى حرب أهلية أبدا، نعم يتأثر طائفيا ويحدث هناك نوع من الاستقطاب وتحدث تصفيات على أسس طائفية وعرقية؛ ولكن لن ينجر العراق إلى الحرب الأهلية، لماذا لا ننجر إلى حرب أهلية؛ لأن هناك مكون أساسي (أهل السنة) لا يريد الحرب الأهلية، وما زال محافظاً على ثوابت الهوية العراقية وأسسها، ولن ينجر إلى الحرب الطائفية.
إذن، مما تقدم فإن الطرف الذي أبقى العراق موحداً ولم ينجر إلى الحرب الطائفية هم (أهل السنة والجماعة)، ومن هنا فنحن نحذر من المخاطر التي تكتنف هذه الدعوات لما يسمى بإعادة تركيب الهوية، وأقول: بغض النظر عن الأطراف الداخلة فيها سواء كانوا من المهيمنين على السلطة أو المشاركين؛ فإنهم يسعون دائما إلى إثارة هذا الموضوع وتخويف العراقيين وغير العراقيين منه لماذا؟، لأن هؤلاء عندما تحدث أزمات فهم يحتاجون أن يحتموا بشيء، ولا يوجد ما يحتمون به إلا شبح الحرب الأهلية والحرب الطائفية والتخويف منهما، وإذا ما انسُقنا معهم فإننا سنعطيهم المبرر والوسيلة والطريقة لما يريدون، وعندما نندفع معهم في نفس الاتجاه فسنجد أنفسنا أمام حرب أهلية حقيقية، ولذلك أصر على إن صمام العراق الآن ومستقبلا والمانع الاساسي لعدم انزلاق العراق إلى حرب أهلية؛ هم (أهل السنة والجماعة) ما داموا متمسكين بهويتهم الفرعية غير المتناقضة وغير المتعارضة مع هويتهم الأصلية، ويعون أن البعد الطائفي خطر على العراق ككل وعلى الأمة من بعد، ووفقاً لذلك فلن تحدث حرب طائفية، أما إذا انجروا خلف هذه الهوية الجزئية فإنهم سينتهون إلى ما انتهت إليه أطراف سياسية موجودة في الحكم الآن.
*الرافدين: هناك من دعا إلى تشكيل حراك سياسي من ساحات الاعتصام، برأيك ما هي مخاطر تأطير هذا الحراك؟ خصوصا ان الترويج هو: لو كان هناك حزب سياسي لاستجابة السلطة له.
// د، مثنى: أولاً: إن هذا الأمر مذكور منذ فترة، ومعروف لدى المهتمين بأمر الساحات أن هذا مطروح منذ أشهر؛ ولكنه تبلور يوم أمس عندما أعلن عن تيار الحراك الشعبي، إن الإعلان عن هذا التيار معناه الإعلان عن حزب، والإعلان عن حزب في هذه المرحلة الممهدة للانتخابات بعد أشهر؛ يعني الدخول في إطار عملية سياسية، وهذا الأمر بحد ذاته هو ضحك على الذقون وعلى العراقيين الذين احتشدوا في حر الصيف وبرد الشتاء منذ أشهر للمطالبة بحقوقهم، ولاسيما أن كل الساحات متفقة على المطالبة بالحقوق لا بدخول العملية السياسية؛ لأن من فيها يعتقدون تماما أن دخول العملية السياسية لن يجدي لهم شيئا.
ثانياً: هل أخذ هؤلاء رأي الساحات جميعا؟ لقد أعلن هذا الموضوع دون أخذ رأي الآخرين، فهل ان سياسة الإقصاء التي تمارس علينا، تمارس هذه المرة على الجماهير؟.
ثالثاً: ماذا فعلت الأحزاب (السنية العراقية العربية) طيلة السنوات الماضية؟ وماذا ستفعل في المستقبل؟ وهل هذا الحراك بعيد عنها؟، واقع الحال يقول لا، وما أعلن عن حراك إنما هو واجهة سياسية للأحزاب التي كانت تمثل (العرب السنة) في العملية السياسية، واقع الحال يقول أيضاً: إنها لم تحقق شيء وأن بعضها أُبعد عن العملية السياسية بطرق كثيرة، وتحاول العودة الآن من ساحات التظاهرات على اعتبار أنها الآن لديها تفويض شعبي؛ لكنهم لم يحصلوا على هذا التفويض.
وأخيراً أقول: لكل التيارات السياسية ـ ونقولها من باب التنزل مرة ثالثة ـ حاولوا وأنشأوا أحزاباً وادخلوا في العملية السياسية، وحاولوا أن تحصلوا على الحقوق التي تطالبون بها؛ ولكن هل تغيرت محددات العملية السياسية وضوابطها؟ هل تغيرت نسبة الـ(20%)؟ هل تغيرت السياسة الطائفية والعرقية؟ هل تم تعديل الدستور بناءً على المطالبات؟ هل توقفت هيمنة السلطة المركزية واضطهادها؟ هل تم تحقيق ما يسمى بقانون الموازنة؟ هل توقفت احكام الإعدامات الجائرة مثل اخونا (أركان) الذي اعدم في الأعظمية الذي يمكن أن يكون رمزاً لقضية الإعدامات في العراق بعد أن يعلن القاضي براءته والإفراج عنه ثم يعدم ويسلم إلى أهله؟ هل توقفت هذه القضايا؟ هل أطلق سراح المعتقلين في السجون من الرجال والنساء؟ هل توقف اغتصاب النساء في السجون هل؟.. هل؟.. هل؟.. كل هذه القضايا هل تحققت؟ ثم من هم هؤلاء الناس الذين سيمثلون (أهل السنة) في العملية السياسية؟ هل ارتضاهم الناس وقبلوا بهم؟ أم هو مجرد إعلان تيار ثم تعلن اسماء، وإذا بنا نعيد ونكرر المكرر مرة بعد أخرى.
الهيئة نت
ح
ضمن برنامجها(تحت الضوء):قناة الرافدين تحاور الدكتور مثنى الضاري مسؤول قسم الثقافة والإعلام في الهيئة