اكد الأستاذ (محمد عز العرب) الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ضرورة تغليب سياسة الاستيعاب على سياسة الاستبعاد من اجل التغلب على المشكلات والازمات التي يشهدها العراق حاليا تمهيدا لإعادة اللحمة الوطنية واستعادة عافية هذا البلد بعد التعثر والضعف الذي اصابه.
واوضح (عز العرب) في حوار اجراه معه مراسل الهيئة نت في القاهرة (عبد المنعم البزاز) ان هناك قضية أساسية هي كيف يمكن للعراق أن يعيد بناء البنية الوطنية على أسس الإنتماء للوطن وليس للحزب أو العشيرة أو الطائفة للتغلب على مشكلات التنمية غير المتوازنة بين مدن غنية وأخرى فقيرة أو بين مدن تدعو للوحدة وأخرى تدعو للانفصال.
واعرب عن اعتقاده بان المشروع الأمريكي لم نجح في العراق ـ الذي كان واحدا من أبرز القوى العربية ـ لان الغزو السافر الذي قاده (بوش الصغير) رئيس الادارة الامريكية السابق كان يحمل أفكارا استعمارية تهدف الى السيطرة والهيمنة على مقدرات الدول العربية والمنطقة باسرها .. عازيا اسباب هذا الفشل الى جهل امريكا الكبير بطبيعة ونوعية الشعب العراقي وعدم معرفة المشكلات الحقيقية وكيفية التعامل معها وحلها، اضافة الى نظرة الولايات المتحدة الضيقة ازاء المنطقة، فكانت معيقا للديمقراطية أكثر مما هي عامل مساعد لها.
واستعرض الخبير المصري حزمة من العوامل التي افرزت التحولات التي تشهدها المنطقة العربية منذ عام 2011، أبرزها البيئة القاعدية الداخلية التي تشمل محفزات الثورة أو الاحتجاج أو الانتفاضة على الأوضاع الداخلية القائمة سواء ما يتعلق بالتسلط السياسي أو الانغلاق الثقافي أو التراجع الاقتصادي .. مشيرا الى ان هذه العوامل ادت إلى موجة من الثورات التي شهدتها تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، والتي أسفرت عن إسقاط أربعة أنظمة، في الوقت الذي ما زالت تشهد سوريا مواجهات بين جيش النظام والجيش الحر وغيره من قوى المعارضة.
ولفت (عز العرب) الانتباه الى ان هناك عدد من الدول العربية لم تشهد انتفاضة أو ثورة أو حتى احتجاجات بسيطة، لكنها أمام اختمار ثوري وترقب لما تشهده المنطقة، في الوقت الذي نجت فيه دول اخرى من عاصفة التغيير الثوري الذي انطلقت شرارته الأساسية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم التمثيل في السلطة أو عدم توفير مقومات العيش والحياة الكريمة وتفاقم معدلات الفقر والبطالة، أضافة إلى تطاول السلطات والأجهزة الأمنية على قطاعات عريضة في المجتمع كما حدث في تونس التي شهدت ثورة شعبية لم يكن أحد يتصورها.
وفي ما يأتي نص الحوار:
* الهيئة نت : برأيكم، ما هي أسباب ودوافع ما يحدث من تغيير في العالم العربي؟
// عز العرب: هناك حزمة من العوامل التي أدت إلى إفراز التحولات التي شهدتها المنطقة العربية في مرحلة ما بعد تحولات عام 2011، أبرز هذه التحولات تتعلق في البيئة القاعدية الداخلية التي تشمل محفزات للثورة أو للاحتجاج أو الانتفاضة على الأوضاع الداخلية القائمة سواء التي تتعلق بالتسلط السياسي أو الانغلاق الثقافي أو التراجع الاقتصادي، فأدت كل هذه العوامل إلى موجة من الثورات التي شهدتها عدد من الدول مثل تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن، والتي أسفرت عن إسقاط أربعة أنظمة، فيما تتوالى المواجهات في سوريا بين جيش النظام والجيش الحر وغيره من قوى المعارضة المسلحة، وعلى جانب آخر كانت هناك انتفاضات شهدتها عدد من الدول العربية ولكنها لم تسفر عن إسقاط أنظمة، كانت احتجاجات كما في مملكة البحرين وسلطنة عمان والعراق والجزائر أضف إلى ذلك بعض المظاهرات البسيطة التي لا تندرج تحت مسمى الانتفاضة أو الثورة كما في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وفي الضفة الغربية المحتلة من فلسطين، وهناك عدد من الدول لم تشهد انتفاضة أو ثورة أو حتى احتجاجات بسيطة كما في قطر والإمارات، وبالتالي نحن أمام اختمار ثوري وترقب ثوري شهدتها عدد من الجمهوريات في المنطقة مقابل احتجاجات عنيفة أو انتفاضة شهدتها دول أخرى في مقابل دول كانت ناجية من عاصفة هذا التغيير الثوري الذي كانت شرارته الأساسية هو الأوضاع الاقتصادية وعدم التمثيل في شكل السلطة أو فيما يتعلق بتأمين مقومات العيش والحياة الكريمة في المنطقة والتي تفاقمت فيها معدلات الفقر والبطالة، أضف إلى أن هناك سبباً أساسياً هو فيما يتعلق بالتطاول على كرامة قطاعات عريضة من المجتمع وهو ما حدث بصورة أساسية في تونس حينما نجد أن سبب اشتعال هذه الثورة التي لم يكن أحد يتصور أنها ثورة في بدايتها حينما كان هناك تغول من قبل السلطات والأجهزة الأمنية على قطاعات المجتمع فكانت هذه الشرارة الرئيسية للثورات ثم كان زخمها الأساسي في مصر، ولم تكن الثورة في مصر في بداية الأمر ثورة على نظام وانما كانت هناك حركة احتجاج عنيفة على ممارسات معينة.
* الهيئة نت : أين دور النخب العربية من هذا الحراك أو التغيير الذي حدث أو يحدث الآن؟
// عز العرب: من الواضح أن النخب لم يكن دورها محورياً في هذه الثورات، الذي كان له دور محوري في هذه الثورات هو المجتمع أو ما يمكن أن نسميه ثورة من أسفل وليس من أعلى؛ لأن الثورة من أعلى هو ما تقوم به النخب أو الأحزاب أو المعارضة التقليدية، لكن من الواضح أن الحركات الشبابية التي لعبت دور العمود الفقري في الثورات، لم تكن أعضاء في أحزاب سياسية وإنما كانت لها كيانات تعبر عنها سواء فيما يتعلق بمواقع النت أو التواصل الاجتماعي، لذلك نجد أن كثيراً من الكتابات الأجنبية تتحدث عن أن جيل التغيير هو جيل (كوكل) وجيل (الفيس بوك) وجيل المدونيين وجيل نشطاء الانترنت الذي استطاع من خلال اللغة التي يفهمها ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي الذي يجيد التعامل معها والقضايا التي يعبر عنها خصوصاً بعد أن بدأ واضحاً أن هناك أزمة جيلية في المنطقة العربية.
* الهيئة نت : هل تعتقدون أن هناك فجوة بين الجيل القديم والجيل الجديد؟
// عز العرب: نعم هناك فجوة قائمة وآخذة في الاتساع والسبب في ذلك أنه لم يكن هناك تواصل بين أجيال شاخت وأجيال كبرت وترعرعت، هذه الفجوة خلقت جفوة فيما يتعلق بفكرة البعد النفسي التي جعلت شرائح الشباب تتولد لديها مدركات بأن جيل الحكم وأجيال المعارضة لا تمثلنا ولا تعبر عنا وبالتالي لا يمكن استمرار الأوضاع على ما هي عليه، لكن المشكلة الحقيقية في مرحلة ما بعد اندلاع الثورة لأن الذي جنى ثمار الثورات هم النخب أو بعض المعارضين المنظمين وليست أجيال الشباب التي سارعت في الثورة ومن هنا تكمن المعضلة الحقيقية في أن الذي صنع الثورة واشترك فيها لم يجن ثمارها.
* الهيئة نت : في ظل المعطيات على الأرض وما حصل من تغيير في بعض الدول العربية، برأيكم أين تتجه الأمور في سوريا؟
// عز العرب: حسم الصراع الداخلي في سوريا وأنا أقول الداخلي لأننا نتكلم عن صراعات على الأرض بين جيش نظامي وبين معارضة مسلحة، هو الذي يعطي ملمحاً إلى أي مدى يستمر الربيع العربي أو يتوقف خصوصاً وأن الامور في دول الربيع العربي الأربع لم تتقدم وتتحول من سيئ إلى أفضل وإنما تطورت من سيء إلى أسوأ، وفيما يتعلق بالمؤشرات بالأوضاع المختلفة كالأوضاع الأمنية وسوء الأوضاع الاقتصادية وتعثر انتقال العدالة وانتشار الاستقطابات السياسية، وبالتالي لم يحصل انتقالة نوعية توحي بأن هناك تحولاً حقيقياً من وضع سيء إلى وضع أفضل أو انتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة وإنما القاسم المشترك بين الدول الأربع التي حدث فيها تغيير هي حالة من عدم الاستقرار؛ لذلك بدت هناك بعض الكتابات تتحدث عما يساور مشاعر الجماهير في جدوى القيام بهذه الثورات لأنه يفترض بالثورة أن يأتي نظام جديد ديمقراطي وصولاً الى ترسيخ هذا النظام فمن الواضح أن هذه الدول تعيش فكرة المرحلة الانتقالية أو ربما نجد خلال السنوات القادمة مراحل انتقالية متعددة، وبالتالي الثورة السورية سوف تنطوي على مسألة في غاية الأهمية لأنها هي التي ستوضح هل نحن أمام ربيع عربي جديد.
* الهيئة نت : وماذا عن التدخل الدولي في سوريا؟
// عز العرب: هذه المسألة ليست حاسمة في هذه المرحلة، خصوصاً أن التدخل الدولي العسكري سيتمخض عنه عواقب كثيرة وربما ينتج عنه آثار بالغة الخطورة على الداخل السوري فقط لا سيما في ظل التداخل بين الدولة ونظام الحكم وفي ظل الدعم الدولي من قبل روسيا والصين وإيران وحزب الله.
* الهيئة نت : أين تضعون الدور العربي الآن ازاء ما يحدق بالمنطقة اليوم قياسا مع الدورين التركي والإيراني؟
// عز العرب: لم نعد نتحدث عن دور عربي، أعتقد اليوم نتحدث عن أدوار خليجية متصاعدة كالسعودية وقطر، أما أدوار الدول الكبيرة مثل العراق وسوريا ومصر فمن الواضح أن هناك إعادة ترتيب في وضع الإقليم، فالعراق لديه مشاكله، ومصر لديها مشاكلها، وكذلك سوريا لديها مشاكلها الاقتصادية والأمنية، وبالتالي هناك دعوات للانكفاء على الذات، ولذا فإن الحديث عن الدول العربية الكبرى التي لديها هذه المشاكل أعتقد هناك ما يعيق القيام بأدوارها الخارجية نتيجة عمليات ملء الفراغ القائمة، فكان من الطبيعي أن تنهض للقيام بهذه المهمة دول صغيرة من حيث المساحة الجغرافية كقطر مثلا التي تحاول القيام بأدوار تسوية ملفات داخلية أو بملفات خارجية وإقليمية بل ربما في صياغة بعض العلاقات الإقليمية خصوصاً في مراحل ما بعد الثورات العربية.
* الهيئة نت : وماذا عن الدور الإيراني والتركي؟
// عز العرب: نحن في هذه المرحلة نتحدث عن دورين أو معسكرين، فمن وجهة نظري أن المعسكر التركي له قبول في المنطقة أكثر من المعسكر الإيراني، فالمعسكر التركي له القدرة على بناء التحالفات حتى مع تيارات الإسلام السياسي الصاعدة الآن والتي هي قريبة في توجهاتها الفكرية من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا منذ أحد عشر عاماً، وبالتالي فهناك علاقات متينة، مقابل ذلك المعسكر الإيراني وخاصة في حالة سقوط نظام بشار الأسد سنجد حالة من العزلة لإيران سواء ما يتعلق بعلاقاتها مع حزب الله وسوريا، أم علاقتها مع مصر فلا يمكن أن ترقى إلى علاقات متينة؛ لأن مصر لا يمكن أن تضحي بعلاقات وثيقة مع دول الخليج من أجل علاقات مع إيران.
* الهيئة نت : برأيكم ما حقيقة الخلاف بين إيران والغرب؟
// عز العرب: هناك مداخل مختلفة لكني أعتقد أن الخلاف هنا ما نسميه بالأطراف الموازية أو المسار الثاني الذي عادة يتمخض عنه في لحظة ما صفقة بين إيران والغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث إن الولايات المتحدة يصبح لديها قناعة بأن إيران لديها قدرات نووية لكن دون أن تترجمها إلى قدرات عسكرية واضحة ودون اللجوء إلى الخيار العسكري وهذا هو أحد السيناريوهات المطروحة وخصوصا أن هناك تلويحا بضربة عسكرية ستوجه لإيران، وهناك سيناريو ثاني تحاول أمريكا أن تصطاد إيران التي وفقا لمزاعم الغرب باتت تمثل واحدا من أهم مصادر القلق ليس لـ(إسرائيل) فحسب، بل للغرب والعالم عموما، وبالتالي من الضروري إنهاكها وتركيعها بفرض العقوبات الاقتصادية في المرحلة الحالية تمهيدا لشن حملة عسكرية ضدها، وهذان السيناريوهان يتأرجحان ما بين صعود وهبوط.
* الهيئة نت : وعن المشروع الأمريكي في العراق، هل نجح أم لا؟
// عز العرب: لا أعتقد أن المشروع الأمريكي نجح في العراق وأنه من الواضح أن الغزو الأمريكي كان يحمل أفكارا إستعمارية الغرض منها السيطرة والهيمنة على مقدرات الدول العربية، وهذا هو قدر العراق الشقيق أن يخرج من أتون حرب إلى حرب أخرى لا سيما خلال العقود الثلاثة الماضية، ما جعله يتعرض للانكماش والضعف بعد أن كان واحدا من أبرز القوى العربية.
* الهيئة نت : برأيكم، ما هي أسباب فشل المشروع الأمريكي؟
// عز العرب: هناك نظرة ضيقة لهذه المنطقة من قبل الأمريكان، اضافة إلى جهل كبير بطبيعة ونوعية الشعب العراقي ومعرفة المشكلات الحقيقية وكيفية التعامل معها وحلها وبالتالي من الواضح أن الولايات المتحدة كانت معيقا للديمقراطية أكثر مما هي عامل مساعد.
* الهيئة نت : ألا تعتقد أن المقاومة العراقية كانت سببا مهما من أسباب فشل المشروع الأمريكي؟
// عز العرب: نعم كانت سببا مهما، لكنها لم تكن السبب الوحيد لفشل المشروع الأمريكي، في النهاية فان المقاومة كانت تواجه احتلالا أجنبيا وبالتالي هذا هو تصور أي قوة سياسية حرة تريد إخراج المحتل وأن تحكم نفسها بنفسها لكن تعقيدات الوضع العراقي هو الذي أدى الى ذلك.
* الهيئة نت : بتصوركم، ما هو مستقبل العراق في ظل الظروف الحالية؟
// عز العرب: هناك بنية أساسية تتعلق في أن العراق كيف يمكن له أن يعيد بناء البنية الوطنية على أسس تعطي الإنتماء للوطن وليس للحزب أو للعشيرة أو الطائفة محاولة التغلب على مشكلات التنمية غير المتوازنة بين مدن غنية وأخرى فقيرة أو بين مدن تدعو للوحدة وأخرى تدعو للإنفصال، ولعل هذا ما يجعل البعض ينادي بالأقاليم لوجود المشاكل مع المركز، لابد من تغليب سياسة الاستيعاب على سياسة الاستبعاد، كل هذا يمهد لإعادة لحمة الدولة الوطنية واستعادة عافيتها بعد عقود من التعثر والضعف.
الهيئة نت
ح
الخبير المصري (محمد عز العرب) يؤكد اهمية تغليب سياسة الاستيعاب على سياسة الاستبعاد في العراق