هيئة علماء المسلمين في العراق

إشكالية التبعية في منظومة الحكم في العراق. بقلم: ياسر عبد العزيز
إشكالية التبعية في منظومة الحكم في العراق. بقلم: ياسر عبد العزيز إشكالية التبعية في منظومة الحكم في العراق.  بقلم: ياسر عبد العزيز

إشكالية التبعية في منظومة الحكم في العراق. بقلم: ياسر عبد العزيز

إشكالية التبعية في منظومة الحكم في العراق


بقلم: ياسر عبد العزيز


في كتابه (النظام العالمي الحديث) قسم الباحث الأمريكي المختص في تاريخ الاجتماع (إيمانويل واليرشتاين) النظام العالمي الحديث إلى دول مركز ودول هامش ودول نصف هامشية، وصنف كل دولة من هذه الدول بحسب نوع الإنتاج والعمل والنظام السياسي السائد فيها، فدول المركز هي المستفيد الأكبر من الاقتصاد العالمي الرأسمالي  وتحتكر غالبية الأموال المتداولة في العالم، أما دول الهامش فهي تلك التي  تفتقد إلى حكومات قوية أو حكوماتها خاضعة لدول المركز، ويعتمد اقتصادها عادة على الزراعة أو على تصدير المواد الخام إلى دول المركز، ودول نصف الهامش هي التي لديها بعض الصناعات، وتحاول الاعتماد في اقتصادها على تصدير السلع التي تصنعها، لكن هذه الدول تفتقر إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها دول المركز.


منذ العام 2003 وتحول العراق إلى دولة هامش تابع بعد أن استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية إنهاء نظام قائم يكافح من أجل أن يكون بين الدول الصاعدة مدفوعا في ذلك بالثروة النفطية التي حباه الله إياها ومكافحا في إرساء قاعدة صناعية ومحاولا امتلاك مقومات القوة ودخول النادي النووي، وقد يكون سعيه للنهوض هو ما سرع من نهايته، لكن النظام الذي أرساه الأمريكي، ومحاولته إرساء قواعد نظام تابع أو دولة هامشية بمفهوم السياسة خلق طبقة سياسية نفعية تتقاتل على رضا من يسود، ولما قررت أمريكا تسليم العراق إلى النظام في طهران ليخرجه من محيطه العربي ويكون شوكة جديدة في خاصرة الأمة، هرولت تلك الطبقة التي تدين أغلبها بالولاء المذهبي لإيران نحو سادة طهران.


هذا التحول أثر بشكل جذري على ترتيب الوضع الداخلي في العراق ونظم ملفات علاقاته الإقليمية والدولية على نحو تقلب فيه شركاء العملية السياسية وقادة الأحزاب الطائفية بين كل منعم أو مانح، ولتساوي الجميع في مدرسة التبعية، فقد أصبح لزامًا أن يتمايزوا من أجل نيل رضا صاحب النفوذ الأكبر في العراق، ولما كان ذلك النفوذ متأرجحًا بين إيران وأمريكا، فقد تقلبوا بين هؤلاء وهؤلاء، فالمالكي الذي ألقى بنفسه في حضن طهران نفذ أجندة طائفية بامتياز، وأنشأ الحشد الشعبي ليكون رديفًا للجيش ومواليًا لسادته في طهران، والعبادي حاول أن يلعب على الحبلين وغازل واشنطن وحج إلى طهران مرارًا، وفي أزمة الموجة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران فتح العراق ليكون حديقة خلفية لإيران لتهريب نفطها ووسع من دائرة التبادل التجاري مع طهران ليميل الميزان التجاري، عن عمد، لصالح إيران رغبة في إنقاذها.


لم يختلف الكاظمي كثيرًا عن سياسة سلفه العبادي وأبقى على حدوده مفتوحة رسميًا أو عبر منافذ غير رسمية من أجل تظل رئة إيران تتنفس ولا تخنق جراء العقوبات الأمريكية، وفي نفس الوقت فتح حوارًا استراتيجيًا مع أمريكا، كان جله منصبًا على تحجيم نفوذ الميليشيات الموالية لإيران، ليتأرجح بين هؤلاء وهؤلاء.


ولإثبات حسن نواياه مع الأمريكان وتقديم عربون المودة، تفتق ذهن الكاظمي إلى خدمة أمريكا في جبال قنديل، فعلى الرغم من التنسيق المخابراتي بين كل من تركيا وبغداد، حتى قبل بدأ عملية مخلب النسر التركية في شمالي العراق وقيامها بعمليات نوعية ناجحة ضد ميليشيا حزب العمال الكردستاني الإرهابية، ومع ورود معلومات مؤكدة عن زيارة رئيس المخابرات التركي (هاكان فيدان) إلى العراق والتنسيق لتوسيع العملية وموافقة الجانب العراقي، يفاجأ الأتراك برصد اجتماع بين عناصر مخابراتية عراقية وعناصر من دولة إقليمية دأبت على مناكفة تركيا مع قيادات من ميليشيا حزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولما كان الصيد ثمين، قررت تركيا قصف مقر الاجتماع، وهو ما كان بنجاح.


رد فعل الحكومة في العراق كان غريبًا، فبدلًا من أن تكتم الخبر، خرجت تهلل وتهوّل من الحدث وتطالب بالاعتذار وألغت زيارة كانت مبرمجة لوزير الدفاع التركي (خلوصي أكار) لبغداد، ظنًا منها أن مثل هذا الفعل سيظهر الحكومة في بغداد على أنها قوية وصاحبة قرار، وهنا تكمن إشكالية التبعية، فالنظام الحالي في العراق الذي نشأ وترعرع ورضع حليب التبعية أصبح لا يدرك مصالحه، ولم يعد يميز العدو من الصديق، فتركيا التي تربطها علاقات اقتصادية قوية مع العراق يدعمها قبول شعبي جارف بين البلدين، تملك من مقومات الشراكة مع العراق شعبًا ودولة، وهنا لا أعني الحكومة، ما يؤهل العراق لاستعادة مكانته الإقليمية لو تحققت الإرادة، فالإدارة التركية التي تسعى في بناء علاقاتها على أسس الشراكة ستخرج العراق من دائرة التبعية التي أنهكتها واستنفذت خيراتها إلى رحابة الشراكة المبنية على قواعد المنفعة المتبادلة، لكن هذا يستوجب بالأساس تغيير منظومة الحكم التابع التي أهدرت كرامة العراق قبل خيراته.


أضف تعليق