تتكشف للعراقيين الشرفاء واحرار العالم يوماً بعد يوم، خفايا وأسرار الغزو الهمجي والاحتلال الغاشم الذي قادته الادارة الامريكية برئاسة المجرم (بوش الصغير) وبدعم من تابعه الذليل (توني بلير) رئيس الحكومة البريطانية، ضد العراق في آذار عام 2003 تحت أكاذيب باطلة وذرائع زائفة وحجج واهية، ابرزها امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، إذ تسبب الاحتلال السافر الذي ما زال مستمرا بمقتل واصابة وتشريد الملايين من العراقيين الابرياء، كما دفع هذا البلد الجريح الى منزلق خطير يصعب الخروج منه بسبب الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة التي تأسست على المحاصصة الطائفية المقيتة.
ففي الرابع من أيلول عام 2002؛ كشفت شبكة (سي بي أس) التلفزيونية الإخبارية الأمريكية، النقاب عن وثائق أظهرت بأن قرار غزو العراق اتخذه (دونالد رامسفيلد) وزير الحرب الأمريكي آنذاك بعد ساعة من احداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 التي شهدتها واشنطن ونيويورك.
واوضحت الانباء الصحفية ـ التي كانت تتابع الاوضاع عن كثب ـ ان تسريبات الشبكة جاءت في الوقت الذي نقلت فيه إدارة (جورج بوش الابن) تركيزها من أفغانستان إلى العراق؛ وكثفت جهودها لإقناع قادة الكونغرس والرأي العام الأمريكي والعالمي بخططها الخبيثة لغزوه واحتلاله، كما نشرت الحكومة البريطانية برئاسة (توني بلير) في خريف العام نفسه، تقريرا حذرت فيه من مخاطر امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل المزعومة، في محاولة لكسب تأييد الشعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح غزو العراق.
وفي سياق ذي صلة، أكدت وثائق حكومية بريطانية سرية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية ومؤامرة غزو واحتلال العراق، حيث تمت مناقشة خطط استغلال الاحتياطي النفطي العراقي بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات النفطية العالمية، مثل (شل، وبي بي، وبي جي) البريطانية قبل عام من غزو العراق، مقابل التزام حكومة لندن سياسيا وعسكريا بالخطط الأمريكية الرامية إلى اجتياح العراق وإسقاط نظام صدام حسين.
وفي أحدث التقارير والمعلومات التي تؤكد تورّط إدارة (جورج بوش الابن) في غزو واحتلال العراق، نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الامريكية الاسبوع المنصرم مراجعة لكتاب ألفه (روبرت درابر) حمل عنوان: (بدء الحرب .. كيف ورّطت إدارة بوش أمريكا في العراق؟)، الذي استند إلى تحقيقات ووثائق حكومية رُفعت عنها السرية مؤخرا ومقابلات مع العديد من مسؤولي الأمن القومي الأمريكي السابقين.
فقد تطرق (درابر) في كتابه إلى الخُدع التي اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق (جورج دبليو بوش) للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين حينها، كما سبق وأن أصدر (درابر) كتاباً عام 2007 تحدث فيه عن رئاسة (بوش) اعتمد في تأليفه على العديد من المقابلات التي أجراها مع الرئيس نفسه.
واكدت الصحيفة ان هذا الكتاب ـ الذي لم يتضمن أي تسريبات جريئة ـ تضمن وصفاً يكشف كيفية شن إدارة (بوش) حرباً على العراق، ويوضح كيف أن (بوش) كان بالفعل يتولى اتخاذ القرارات المتعلقة بالعراق بشكل لم يترك أي مجال لنقاش مسألة عدم الإطاحة بنظام صدام حسبن .. مشيرة الى ان (درابر) لفت في كتابه، الانتباه الى ان أساس الصراع كان قد أُعدّ في أواخر التسعينيات من قِبل ما يسمى (المجمع الفكري العسكري) في واشنطن.
واوضحت الصحيفة ان هناك حدثان رئيسيان وقعا في عام 1998، أولهما إقرار الكونغرس قانون تحرير العراق وتوقيع الرئيس (بيل كلينتون) عليه، والذي أيده العميل (أحمد الجلبي) وحلفاؤه من المحافظين الجدد بينهم (بول ولفويتز)، ليصبح بذلك أول خطوة رسمية في السياسة الأمريكية نحو إسقاط نظام صدام حسين، فيما كان الحدث الثاني تشكيل الكونغرس لـ(لجنة رامسفيلد) التي وفّرت لوزير الدفاع السابق (دونالد رامسفيلد، وبول ولفويتز) وغيرهما منصة رفيعة المستوى لانتقاد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بحجة عدم معرفتها بالأخطار المحتملة التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران والعراق .. مشيرة الى ان اللجنة ركزت بشكل خاص على مجموعة من السيناريوهات التي قد تسمح للعراق بالحصول على أسلحة نووية واستهداف الولايات المتحدة في وقت وجيز.
وقال الكاتب الامريكي: "انه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، صارت الأمور أكثر جدية، وبالاعتماد على سنوات من التحذيرات بشأن التهديدات الخارجية تعاون كل من (رامسفيلد، وبول ولفويتز) مع (ديك تشيني) نائب الرئيس لإعلان الحرب، وعزل (كولن باول) وزير الخارجية آنذاك".
وكشف (روبرت درابر)، النقاب عن الضغط الشديد الذي مارسه (تشيني) ورئيس الأركان (لويس ليبي)، والمسؤول بوزارة الحرب (دوغلاس فيث) على وكالة الاستخبارات لدعم وتلفيق قضية امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ومزاعم علاقة صدام حسين مع تنظيم القاعدة، كما تحدث (درابر) أيضا عن المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية (جورج تينيت) الذي حاول يائسا بعد إقصائه طيلة رئاسة (بيل كلينتون)، إقناع (بوش) بمدى وفائه وأهمية دوره في الحرب على ما يسمى (الإرهاب).
وسلط (درابر) في كتابه، الضوء على ما سمي اجتماع (الضربة القاضية) الشهير الذي عقد بالمكتب البيضاوي في كانون الأول عام 2002، عندما أكد (تينيت) لـ(بوش الابن) بأن دليل خطاب (كولن باول) المرتقب في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لدعم غزو العراق كان قوياً.
وخلص الكاتب (روبرت درابر) الى القول: "بفضل القرارات الفاشلة للرئيس الأمريكي الحالي (دونالد ترامب) ربما يشعر (جورج دبليو بوش) بالحنين إلى فترة عهدته، لكنه كان مذنبا جراء سذاجته وعدم تقديره لتكاليف الحرب وعواقبها" .. مشيرا الى انه بالرغم من الخسائر المالية ومخاطر الحروب على الولايات المتحدة نفسها، وانهيار العراق نتيجة الغز والاحتلال السافر، فإن تلك الدوافع والاهداف لا تزال راسخة في إدارة (دونالد ترامب).
وفي هذا الاطار، نسبت صحيفة نيويوك تايمز الى (بوب وودوارد) ـ وهو أحد أشهر الصحفيين في التاريخ الأمريكي ـ قوله في كتابه الذي حمل عنوان (خطة الهجوم): "إن قرار غزو العراق مثّل مصدر قلق لـ(جورج دبليو بوش)، لذلك كان تأكيد (تينيت) مهماً للغاية"، لكن (روبرت درابر) خالفه الرأي لأنه يرى أن (بوش) لم يكترث بهذا الدليل، وإنما كانت كلمات (تينيت) مهمة لقطع شكوكه بشأن إمكانية إيجاد وكالة المخابرات المركزية دليلا تبني عليه قضية، فكان تفكير (بوش) واضحا بقدر ما كان بسيطاً، عندما اعتبر (صدام حسين) وحشاً ينبغي إزاحته من السلطة.
وبالرغم من افتضاح ذريعة أسلحة الدمار الشامل التي أعلنها (بوش، وبلير)، فإن هناك أسباباً سياسية واقتصادية وحضارية ما تزال في متناول وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعاً للمراقبين انطلاقا من سير الأحداث ومآلات تلك الحرب العبثية وانكشاف أسرار تحضيراتها، وعلى رأس تلك الأسباب سعي الحكومتين الأمريكية والبريطانية الى وضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة.
وكالات + الهيئة نت
ح