ما تزال السلطات الحكومية التي تسير على النهج الإجرامي الإيراني تمارس سياسة قمع وتهديد المشاركين في التظاهرات السلمية التي انطلقت مطلع تشرين الاول الجاري، مستخدمة شتى أنواع الوسائل التي كان آخرها شن هجمات وتهديدات طالت عددا من الصحفيين والناشطين المدنيين والمدونين ووسائل الإعلام التي شاركت في تغطية تلك التظاهرات التي واجهتها القوات الحكومية بالقوة المفرطة، ما تسبب في مقتل أكثر من (120) متظاهرا واصابة ما يزيد على ستة آلاف آخرين بجروح بعضها خطيرة، فضلا عن حملة الاعتقالات التي شهدتها العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية.
ورغم الوعود التي أطلقها رئيس الحكومة الحالية (عادل عبد المهدي)، ورئيسي الجمهورية ومجلس النواب (برهم صالح، ومحمد الحلبوسي) بوقف جميع أشكال ملاحقات الناشطين والصحفيين والاعلاميين، إلا أن حملات المطاردة والاعتقال والتهديد بالقتل ما زالت تلاحقهم، حيث تم تعرض العديد من الناشطين والصحفيين لهجمات وتهديدات بالقتل كما تعرضت قنوات فضائية عربية ودولية ومحلية بينها (أن آر تي) الناطقة بالعربية، و (دجلة) المحلية، و(العربية)، لعمليات اقتحام من قبل مسلحين مجهولين، بهدف تكميم الافوه التي تزامنت مع اقدام السلطات الحكومية على حجب خدمة الإنترنت، وهو ما دفع المنظمات المحلية والدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير الى مطالبة هذه السلطات بايقاف سياسة القمع ومحاولات اسكات وسائل الإعلام الذي يقوم بتغطية الاحتجاجات السلمية.
وفي هذا السياق، أكد مراقبون ان الهدف من حملات الترهيب والتشويه المستمرة ضد المدونين والناشطين التي تقوم بها الجهات السياسية المتنفذة هو تضليل الرأي العام، فقبل أيام نشرت صفحات إلكترونية ـ تحظى بتفاعل واضح من أشخاص ينتمون الى ميليشيات الحشد الشعبي ـ قائمة بأسماء مجموعة من المدونين والإعلاميين، هي الثانية خلال شهر، بينهم الخبير الأمني (هشام الهاشمي) والإعلامي (عمر الشاهر)، متهمة إياهم بالتعاون مع الكيان الصهيوني والسعي إلى التطبيع مع تل أبيب، وهي تهمة كفيلة بإثارة الشارع العراقي ضدهم وخلق ردود فعل قد تؤدي إلى تصفيتهم.
بدوره، وصف المحلل السياسي (محمد التميمي)، عمليات مطاردة واعتقال الصحفيين والناشطين والمدونين في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها تخبط من قبل الحكومة وأجهزتها الأمنية التي تهدف الى تخويف المواطنين .. موضحا أن الحكومة الحالية تحاول إسكات أي صوت يعارض سياستها القمعية ولا سيما الذين يدعون إلى المشاركة في التظاهرات المليونية التي ستنطلق يوم الجمعة المقبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
ووفقا لما كشفه أحد الصحفيين يعمل مراسلاً لإحدى وسائل الإعلام العربية، فإن عددا من الصحفيين والناشطين المدنيين تلقوا تهديدات بالقتل، وذلك عبر مغلفات تحتوي على رصاصات .. موضحا ان المعلومات التي وصلته تؤكد وجود خلية استخبارية تابعة لمليشيات متنفذة تقوم برصد وتعقب الصحفيين والناشطين في مجالات جمع المعلومات وتوثيقها.
وأشار الصحفي ـ الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه ـ الى ان صحفيين ومقدمي برامج سياسية تلقوا تهديدات مباشرة وأخرى من خلال رسائل عبر الهاتف، تحذرهم من تغطية الاحتجاجات أو التحدث بما يخالف رواية السلطات الحكومية، أو إظهار مظلومية المشاركين في الاحتجاجات، في الوقت الذي طالبت فيه الاجهزة الامنية، وسائل الإعلام المختلفة بالابتعاد عن كل ما يثير التعاطف الشعبي والدولي مع المحتجين .. لافتا الانتباه الى ان ميليشيات مسلحة هاجمت عددا من القنوات الفضائية واعتدت على العاملين فيها بالضرب واطلاق الالفاظ النابية كما هددتهم بالقتل واعتقلت عددا منهم بعد تحطيم أجهزتهم الصحفية والشخصية.
من جانبه، وثّق المرصد (الأورومتوسطي) لحقوق الإنسان ـ وهو منظمة مستقلة تتخذ من جنيف مقرا لها ـ إفادات عدد من الصحفيين والمدوّنين العراقيين تمحورت حول تعرضهم للتضييق، والملاحقة من قبل ملّثمين يستقلون درجات نارية .. معربا عن قلقه البالغ إزاء الانتهاكات والتهديدات التي تستهدف الصحفيين والمدونين على خلفية تغطيتهم الاحتجاجات الشعبية.
ونقل المرصد عن الإعلامي (زيد الفتلاوي) ـ الذي يعمل مراسلاً لإحدى القنوات المحلية ـ قوله: "تعرضت مع زملاء آخرين للمنع من التصوير عدة مرات، كما تعرضنا للتضييق خلال توجهنا إلى ساحة التظاهر وسط مدينة الديواني مركز حافظة القادسية رغم حصولنا على الموافقات الأمنية مسبقًا" .. مشيرا الى ان ما تسمى قوات سوات اعتدت عليهم بالضرب ومنعتهم من التغطية الإعلامية كما صادرت معداتهم الصحفية وحاولت اختطافهم من خلال إجبارهم على الصعود في سيارة شرطة كانت متواجدة بالقرب من ساحة التظاهرات.
وفي السياق ذاته، أكدت مصادر إعلامية في بغداد ان قوة أمنية مجهولة قامت باعتقال الناشط والمدون العراقي (شجاع الخفاجي) مدير صفحة (الخوّة النظيفة) على فيسبوك، إحدى أشهر الصفحات التي تحظى بمتابعة ملايين العراقيين، واقتادته إلى جهة مجهولة .. لافتة الانتباه الى ان عناصر تلك القوة كانوا يرتدون الزي الأسود، ويستقلون سيارات دفع رباعي لا تحمل لوحات، كما صاردت تلك القوة (الهارد) الخاص بكاميرات المراقبة في منزل (الخفاجي) والهواتف الشخصية لأفراد عائلته.
وكانت مصادر محلية قد اشارت في وقت سابق الى ان قوة مسلحة مجهولة اقتحمت عيادة الناشط والطبيب الاخصائي (ميثم الحلو) في إحدى مناطق العاصمة بغداد واقدمت على اختطافه واقتياده الى جهة مجهولة، كما تم اعتقال المهندس والناشط (عقيل التميمي) اثناء حضوره مؤتمرا صحفيا، فيما اختطف مسلحون مجهولون، الناشط المدني (فلاح الطيار) من أحد شوارع بغداد ايضا، في الوقت الذي أكدت فيه أنباء صحفية بأن جهات مسلحة داهمت منازل العديد من الشباب المشاركين بالاحتجاجات في منطقتي (الحسينية، والبلديات) شمال وشرقي بغداد، واعتقلت اثنين منهم، أحدهما يدعى (علي عبد الحسين الرحماني)، كما تم تسجيل اختفاء شباب آخرين شاركوا في التظاهرات التي شهدتها ساحة التحرير وسط بغداد.
الى ذلك، اكدت منظمات حقوقية وصحفية ان أكثر من (100) صحفي ومدون في بغداد والمحافظات الجنوبية تركوا مناطقهم وتوجهوا الى المحافظات الشمالية بعد تلقيهم تهديدات بالملاحقة والقتل بسبب آرائهم المؤيدة لمطالب المتظاهرين وتغطيتهم لأخبار الاحتجاجات، حيث وصفت رابطة الصحفيين العراقيين، الهجرة المفاجئة بأنها الاسوأ منذ عام 2003 .
يشار الى ان سياسات القمع الأخيرة والتضييق على حرية الرأي التي تمارسها القوات الحكومية ضد الصحفيين والناشطين كان لها الأثر الكبير بخسارة العراق لمقعده في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة وذلك خلال تنافس المجموعة الآسيوية على المقاعد الاربعة أمام اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وجزر مارشال، ما يعكس فشل السياسة التي تنتهجها حكومة بغداد داخليا وخارجيا.
وكالات + الهيئة نت
م